اقتصاديات.. السوريّ بين رحلتين، الخبز والبنزين


مشاهد السوريين الذين عادوا للتجمع من أجل شراء الخبز، وعلى محطات الوقود لتعبئة سياراتهم بالبنزين، لم تعد تنفع معها محاولات المسؤولين لإنكارها، وخصوصاً في عصر الموبايل، الذي أصبح بمثابة الماء التي تكذب الغطاس.

فقد خرج بالأمس مدير المؤسسة السورية للمخابز لينكر وجود أزمة خبز، فكان أن رد عليه عشرات الناشطين بصور من قلب الحدث، لحالات ازدحام وتدافع أمام الأفران بشكل يفوق الوصف..

ونفس الشيء حدث مع إنكار شركة "محروقات" لأي نقص في كميات البنزين، ثم ليتضح لاحقاً بأنها قامت بتخفيض مخصصات الكازيات بأكثر من النصف، بعد أن قام ناشطون بنقل تصريحات لأصحاب محطات وقود أعلنوا فيها بأن مخصصات بعضهم انخفضت من 22 حصة في الشهر، إلى 8 حصص فقط.

ويروي أحد الناشطين، بأن السوريين أصبحوا يمضون يومهم بين رحلتين، رحلة الحصول على الخبز، وتقوم بها الزوجة منذ ساعات الصباح الباكر، ولا تعود منها إلا بعد الظهر، ورحلة الزوج لتعبئة سيارته بالبنزين، وهي رحلة تستغرق يوماً كاملاً، وقد يعود فيها الزوج محمولاً على ظهره، مثلما حدث مع أحد السوريين الذي لقي حتفه أمام محطة وقود في حماة، إثر الشجار بين المنتظرين منذ ساعات طويلة، للحصول على بضعة ليترات من البنزين فقط.

ويعلق ناشط آخر، بأنه في كلا الرحلتين، إن لم يفقد السوري حياته، فإنه قد يفقد كرامته، عبر تلقيه سيلاً من الركل والشتائم والسباب، يعود بعدها إلى البيت، كاظماً غيظه، الذي غالباً ما يفرغه في الأسرة والأولاد، فيتحول إلى صراعات عنيفة بين أفرادها.

وهنا يتساءل البعض: أزمة البنزين قد تكون مفهومة وهي متجذرة في المجتمع السوري منذ ما قبل أيام الثورة السورية، لكن ما هي المشكلة مع الخبز..؟ وقد انتهى للتو موسم الحصاد وتحدث النظام عن حصوله على مئات آلاف الأطنان من القمح من الفلاحين..!

في هذه النقطة تحديداً لا تستطيع أن تقف على سبب حقيقي لأزمة الخبز من أفواه المسؤولين، سوى ما يتحدثون عنه من توقف بعض الأفران بسبب أعطال فيها، وهو سبب غير وجيه وغير منطقي، لأنه بكل بساطة يمكن تعويض الكميات في أفران أخرى..
 
أما الحقيقة التي لا يصرح عنها مسؤولو النظام، والتي حصلنا عليها من مصادر خاصة، أن روسيا أوقفت توريدات القمح إلى سوريا، ضمن الضغوط التي تمارسها على النظام من أجل تحقيق بعض التنازلات في أصول وأراضٍ ومشاريع اقتصادية، تريد موسكو الحصول عليها مقابل ديونها..

وعلى ما يبدو أن ما تطلبه موسكو كبير جداً، وهو يعادل تقريباً مساحة الأراضي التي ضربتها الحرائق في العديد من المناطق الحيوية في سوريا..

لذلك لا يستبعد الكثير من المتابعين أن تكون هذه الحرائق مفتعلة، من أجل أن يسهل إعطائها إلى روسيا، ضمن القوانين التي تتيح لوزارة الزراعة بيع أملاك الدولة، في حال عدم صلاحيتها للزراعة، أو فقدان الجدوى من استثمارها زراعياً من جديد..

وهناك من يتحدث عن مطالب سياسية روسية من النظام، تم على إثرها وقف تزويده بالقمح، وهي تتعلق بالضغط عليه لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، أو لتقديم تنازلات في الملف التفاوضي مع المعارضة..

ورغم عدم وجود مساندين كثر لهذا الاحتمال، إلا أنه يبقى راجحاً، حتى أننا يجب أن لا نستبعد أن تكون أزمة الخبز والبنزين مفتعلة، من أجل إشغال السوريين، عن أي خطوات حمقاء سوف يقوم بها النظام مستقبلاً.. سواء بإعطاء المزيد من الأراضي للروس، أو توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، ضمن شروط مهينة ومذلة.

ترك تعليق

التعليق