رغم المخاطر.. ازدياد حالات الهجرة من الجنوب إلى الشمال السوري


تشهد مناطق محافظة درعا يومياً، خروج العشرات من الشباب باتجاه الشمال السوري المحرر، وذلك هرباً من جحيم الاعتقالات، والتصفيات الجسدية، والملاحقات الأمنية التي باتت تضرب بقوة معظم مناطق المحافظة، وتستهدف شبابها، بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم لهذه الجهة أو تلك.

ويشير مراقبون في المحافظة، إلى أن الرغبة بالهجرة من مناطق درعا باتجاه "المجهول" عادت تراود أبناء المحافظة الجنوبية بقوة، وذلك على خلفية القناعة التي توصلوا إليها بأن تغيير "الحال أصبح من المحال"، بعد أن رسخ النظام ركائزه في مختلف مناطق المحافظة، وبدأ بالانتقام بطريقة أو بأخرى من الشباب الذين ما زال يعتبرهم الأسد أعداء الأمس، رغم انضمامهم إلى قواته الرديفة بمختلف تسمياتها وتوجهاتها.
 
وتقول مصادر مطلعة، إن عشرات الشبان يغادرون مناطق درعا باتجاه لبنان، والشمال السوري المحرر، يومياً، بعد أن بدأ النظام وبعض الجهات التابعة له بتشجيع الهجرة السرية لفئة الشباب، بهدف تحقيق المنفعة المادية من خلالهم من جهة، وتفريغ المحافظة من شبابها لتسهل السيطرة عليها من جهة أخرى.

وأكدت المصادر أن أهالي المحافظة بعد أن شعروا بالخذلان من القوى الكبرى، التي تتلاعب بمصير محافظتهم، والمنطقة ككل، وفقاً لحساباتها ومصالحها، باتوا على يقين تام بأن أحوالهم الاقتصادية والمعيشية لن تتغير نحو الأفضل، كما أنهم لن يشعروا بالأمان مادام بشار الأسد يتسيد الحكم في سوريا، ومادامت أجهزته الأمنية القمعية، تمعن قتلاً واعتقالاً بحق الشباب دون وازع من أخلاق أو ضمير.

وأكدت المصادر أنه أمام الأبواب الموصدة في وجه الشباب، من كل الجهات، والخطر الداهم الآتي إليهم من كل حدب وصوب، بات معظمهم يفضل ترك "الجمل بما حمل" والبحث عن رزقه في مكان ما من العالم، رغم خطورة الطرق التي يسلكونها في الخروج من المحافظة، والمبالغ الكبيرة التي يدفعونها مقابل ذلك.

وتشير المصادر إلى أن هروب الشباب نحو "المجهول" لا يعود سببه إلى الأوضاع المعيشية والاقتصادية على أهميتها، بل يعود إلى أسباب أمنية، لافتة إلى أن المحافظة باتت "مقتلة" و"ثقب أسود" يبتلع شبابها الواحد تلو الآخر، في ظل عجز تام من قبل جميع الفعاليات عن فعل أي شي للمساعدة في وضع حد لما يحدث من أعمال عنف متكررة يذهب ضحيتها، ما بين 4 و5 أشخاص على الأقل يومياً.

ولبيان حجم الكارثة الأمنية التي يعيشها أبناء درعا في ظل نظام الأسد، أحصى "مكتب توثيق الشهداء بدرعا" مقتل 17 شخصاً وإصابة 11 آخرين في 31 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، خلال شهر أيلول الماضي.


وأشار التقرير إلى أن من بين القتلى 14 مقاتلاً سابقاً في صفوف فصائل المعارضة (الجيش السوري الحر)، ثمانية منهم التحقوا بصفوف قوات النظام بعد سيطرته على محافظة درعا وخضوعهم لاتفاق "تسوية"، في آب 2018.

ويقول "ياسر. ص"، 31 عاماً، وهو مقاتل سابق في الجيش الحر، إنه لا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية منذ أن أجرى تسوية مع النظام والتزم العمل في أراضيه الزراعية، مشيراً إلى أنه يعيش في حالة قلق وخوف دائمة، من أن يكون مصيره كمصير رفاقه، الذين تم اغتيال ثلاثة منهم حتى الآن، رغم إجرائهم تسوية مع النظام وتحولهم للعمل المدني الحر.

وأضاف أنه يحاول أن يؤمن مبلغاً مالياً للهروب من المنطقة والخروج إلى لبنان أو تركيا، رغم أخطار الطريق، وعدم الشعور بالأمان، لافتاً إلى أن تكلفة السفر إلى الشمال المحرر أو لبنان تتراوح ما بين 2000 و3000 دولار أمريكي.

وأشار إلى أن هذا المبلغ الكبير لا يملكه معظم الشباب الراغبين بالهجرة، بسبب البطالة والفقر الذي يضرب محافظة درعا، والكثير من المحافظات السورية الأخرى، موضحاً أن الكثيرين من الشباب يلجأون إلى بيع أملاك ذويهم، من أراض زراعية وعقارات ومصوغات ذهبية وماشية إن وجدت، لتأمين تكاليف الهجرة.
 
ولفت إلى أنه مثل الكثيرين غيره، باع قطعة أرض مؤخراً، وينتظر الظروف الملائمة لمغادرة المنطقة إلى الشمال السوري المحرر، مشيراً إلى أن أحد المهربين طلب منه نحو ألفي دولار، لتأمينه إلى "عفرين"، فيما اتفق مع مهرب آخر لتأمينه إلى تركيا، مقابل مبلغ يتراوح ما بين 1200 و1500 دولار أمريكي.
 
وحول طرق الهروب التي يتم سلوكها للخروج من محافظة درعا، قال "أحمد.س"، 28 عاماً، وهو مطلع على أساليب التهريب، إن معظم الأشخاص يهربون عبر ما يسمى الطرق الحربية التابعة للنظام، لافتاً إلى أن من يقوم بتسهيل مرور الأشخاص عبر هذه الطرق ويساعد في تأمين الراغبين بالهجرة، هم ضباط من "الفرقة الرابعة" أو من مخابرات النظام، أو بعض سائقي التكاسي المرتبطين مع أمن النظام.

وأشار إلى أن ضباط النظام، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، باتوا يسهلون مرور الشباب مقابل المال، بعد أن تحولت عمليات تهريب "البشر" وسيلة للإثراء بالنسبة لهم، لافتاً إلى أن لكل حاجز سعره المحدد الذي يتقاضاه لقاء تسهيل مرور بعض الأشخاص.

لكنه أردف قائلاً: "الأمر لا يخلو من بعض (الخيانات) أحياناً من قبل المهربين، أو الضباط، حيث يلجأ البعض منهم إلى تسليم الأشخاص إلى الجهات الأمنية، بحجة تغيير خطة المرور بشكل مفاجئ، أو تركهم عرضة للأخطار، كالدخول في حقول ألغام وكمائن تابعة للنظام"، موضحاً أن هذا الأمر حدث قبل عدة أيام، حيث تم تسليم أكثر من 20 شاباً لقوات النظام في حلب.

وحول شريحة الأشخاص الذين يهاجرون من المحافظة، أشار "غ 0 م" وهو ناشط سابق، إلى أن معظم المهاجرين الذين يغادرون محافظة درعا هم من الفئات العمرية ما بين 18 و40 عاماً، وأحياناً يكون بينهم عائلات وأطفال، لافتاً إلى أن الخدمة العسكرية والاحتياطية في قوات النظام، والملاحقات الأمنية، هي من أبرز الأسباب الطاردة لأبناء المحافظة والدوافع الأقوى للهجرة، يضاف إلى ذلك العديد من الأسباب المعيشية والضغوط النفسية.

ترك تعليق

التعليق