اقتصاديات.. ألاعيب النظام والروس المكشوفة


كنا قد توقعنا مطلع العام الجاري، بأن النظام سوف يدع الليرة السورية تنهار إلى الحد الأقصى، ثم سوف يعمد إلى إعادة رفعها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، من أجل أن يعطي مشروعية لبشار الأسد بإعادة ترشيح نفسه، بأنه لايزال يسيطر على الأوضاع في سوريا ويتحكم بها إلى أبعد مما يتصوره الآخرون.

والمتابع لواقع سير سعر الصرف في سوريا منذ نهاية العام الماضي وحتى اليوم، لا بد أن يلفت انتباهه كيف أن الدولار كان عند 2200 ليرة، ثم كاد أن يصل إلى 5 آلاف ليرة نهاية الشهر الماضي، قبل أن يظهر بشار الأسد في الاجتماع الشهير مع الحكومة، في أعقاب إدعاء وسائل الإعلام إصابته بكورونا، حيث حاولت تلك الوسائل تصوير الأمر وكأن البلد كادت أن تضيع خلال فترة غياب "الرئيس" في الحجر الصحي.. كما أنها اختارت مقتطفات من حديثه مع الحكومة، منتقاة بعناية، وفيها يهدد بشار الأسد التجار ويتهمهم بالفساد ويحملهم المسؤولية عن انهيار سعر الصرف والتلاعب بالأسعار، ومن ثم يتوعدهم بالمحاسبة، ليعقب ذلك مباشرة العديد من الإجراءات، مثل تعديل قانون حماية المستهلك، الذي تضمن عقوبات شديدة على التجار بدعوى ضبط الأسواق، ولاحقاً، قام بشار الأسد بإصدار مرسوم بإقالة حاكم المصرف المركزي حازم قرفول، والسماح لوسائل الإعلام بالحديث عن عيوبه، ومن ثم رفع سعر صرف دولار الحوالات في المركزي إلى 2500 ليرة، وهو ما أدى بالفعل إلى هبوط الدولار إلى أقل من 3 آلاف ليرة، لكن دون أن يذكر أحد بأن سعر الصرف مطلع العام الجاري كان دون هذا الرقم بكثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الإجراءات السابقة هي السبب في ارتفاع سعر صرف الليرة، أم أن هناك أسباباً أخرى يخفيها النظام، من أجل إعطاء هيبة لبشار الأسد، بأنه لايزال يقبض على البلد بيد من حديد..؟
 
بحسب ما سربت وسائل الإعلام الروسية، فإنه خلال جولة وزير الخارجية سيرغي لافروف، على دول الخليج العربية، في الأسبوع الثاني من آذار الماضي، فإنه استطاع أن يقنع إحدى الدول الخليجية بتحرير مبلغ مليار دولار من الأرصدة السورية المجمدة لدى بنوك تلك الدولة، كما تحدثت تلك الوسائل الروسية، بأن إحدى الدول الخليجية قدمت مساعدة لسوريا مبلغ 200 مليون دولار لاستخدامها في تأمين المواد الغذائية، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت روسيا عن تقديمها قرضاً للنظام بقيمة 500 مليون دولار، لتمويل شراء القمح والمحروقات.. وكل ذلك جرى بينما كان بشار الأسد لايزال قابعاً في الحجر الصحي، فيما تزامن الإعلان عن كل ما سبق، مع ظهور الأسد مجدداً في اجتماع الحكومة الشهير، السابق الذكر.

أي بصورة أوضح، فإن ما نشاهده اليوم من انتعاش في وضع الليرة السورية، هو عائد إلى هذه المبالغ التي حصل عليها النظام، والمقدرة بنحو 2 مليار دولار، وليس إلى إجراءاته بضبط الأسواق وإقالة حاكم المركزي.. وبالتالي، وبحسب العديد من المراقبين، فإن هذا المبلغ يكفي لتحقيق انتعاش اقتصادي لمدة أربعة أشهر فقط، أي إلى حين إعادة "انتخاب" بشار الأسد رئيساً للجمهورية.. أما بعد ذلك، فعلى السوريين انتظار سبع سنوات أخرى عجاف.
 

ترك تعليق

التعليق