الليرة السورية والأزمة الأوكرانية.. المستقبل والمصير


بدا واضحاً ومنذ أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا، في 24 شباط الماضي، أن حكومة النظام السوري أخذت تستعد للأسوأ اقتصادياً، في أعقاب بيانات بدأت تشير إلى أن العديد من المخزونات الغذائية، من قمح وسكر وزيت، بالكاد تكفي لمدة شهرين، بينما أغلبها مستورد من الأسواق الروسية والأوكرانية.

وعلى مستوى آخر، كان لافتاً حرص النظام على دعم استقرار سعر صرف الليرة السورية، من ضمن استعداداته لمواجهة تبعات الحرب الأوكرانية، حيث اتخذ مجموعة من القرارات التي تهدف لتجفيف السيولة بالليرة السورية من الأسواق، حتى لا يتم تحويلها إلى عملات صعبة، إذا ما اتضح أن الحرب سوف تطول أكثر من فترة شهرين.

غير أن اتجاهات السوق خالفت كل إجراءات النظام لضبط سعر الصرف، إذ سرعان ما تعرضت الليرة إلى تراجع كبير، فقدت من خلاله في غضون أسبوعين 250 ليرة من قيمتها مقابل الدولار، لتراوح عند مستوى 3900 ليرة، بعد أن كانت قبل الحرب الأوكرانية، تقف عند مستوى 3650 ليرة مقابل الدولار.

هبوط الليرة السورية مقابل الدولار، متأثرة بالأزمة الأوكرانية، لم يكن مفاجئاً للكثير من المحللين، فهو هبوط منطقي مرتبط بالدرجة الأولى بارتفاع أسعار النفط العالمية من نحو 85 دولاراً للبرميل إلى أكثر من 120 دولاراً للبرميل، ما يعني بأن موازنة النظام السوري المخصصة لاستيراد المشتقات النفطية، سوف تزيد نفقاتها بنسبة لا تقل عن الـ 50 بالمئة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن روسيا وأوكرانيا تشكلان ما نسبته نحو 50 بالمئة من حجم تجارة النظام الخارجية، حيث يستورد من هاتين الدولتين، جل احتياجاته من القمح والسكر والزيت والأعلاف وغيرها من المواد الأساسية التي تدخل في الصناعة، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد السوري وتتراجع العملة، مع بدء الأعمال العسكرية، نظراً للمخاوف من عدم إيجاد أسواق بديلة، بسبب العقوبات والحصار، وشح الموارد من العملة الصعبة.

وبناء عليه، فنحن على أعتاب مرحلة خطيرة جداً فيما يتعلق بواقع ومستقبل الاقتصاد السوري، لأن حكومة النظام أعلنت صراحة أن مخزوناتها من المواد الغذائية المستوردة من روسيا، وعلى رأسها القمح والسكر والزيت، قد تكفي لمدة شهرين فقط.. أي أن استمرار الحرب أكثر من هذه المدة سوف يؤدي إلى مصائب كبيرة إذا لم يتم إيجاد البدائل وبسرعة.. وفي الحديث عن البدائل يقول مسؤولو النظام بأن التكلفة سوف تزيد بما لا يقل عن 20 إلى 30 بالمئة، جراء ارتفاع أجور الشحن العالمية، ما سوف يؤدي إلى المزيد من ارتفاع الأسعار في السوق الداخلية، بالإضافة إلى هبوط سعر صرف الليرة السورية بشكل أكبر.

والغريب أن المصرف المركزي التابع للنظام، لا يكشف عن حجم مخزوناته من العملة الصعبة، المخصصة لدعم استيراد المواد الأساسية، وهو ما يجعل من الصعوبة التنبؤ بمستقبل الليرة السورية بشكل دقيق، لأنه في حال كان لديه القدرة على تغطية هذه المستوردات من المخزونات، فإن الليرة سوف تظل تتأرجح بفارق غير كبير عن رقم 4 آلاف ليرة مقابل الدولار، أما في حال اضطر المصرف لتحويل جزء من مخزونه من الليرة السورية إلى الدولار، فهذا يعني –حكماً- هبوطاً مدوياً لليرة، قد يتجاوز الـ 5 آلاف ليرة مقابل الدولار في غضون الشهرين القادمين.
 وفي كل الأحوال، تقول التسريبات بأن المصرف المركزي كان قد طبع ورقة العشرة آلاف ليرة سورية منذ فترة طويلة، استعداداً لمثل هذه الأيام التي قد يزيد فيها التضخم عما هو مخطط له، ويصبح التمويل بالعجز هو الأداة الوحيدة لتغطية مصروفاته الحكومية.. وهي خطوة يحذر منها الخبراء الاقتصاديون كثيراً، وخصوصاً في مثل هذه الظروف بالذات، حيث وضعت سوريا نفسها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، من خلال دعمها العلني والمباشر للحرب الروسية على أوكرانيا.. بمعنى أن أي مصير ستواجهه روسيا، فإن سوريا ستواجه ما هو أسوأ منه بكثير.

ترك تعليق

التعليق