سوريا إلى أين؟.. قراءة في الواقع الاقتصادي والمعيشي


تتعقد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يوماً بعد آخر في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وسط غياب الآفاق بتحسن قريب، والذي تعززه قرارات الحكومة وتصريحات مسؤوليها، التي تعمل على إشاعة حالة من الذعر في الجو العام، من خلال التلميح بأن البلد مفلس، ولا يوجد حل في المدى المنظور.

ويزداد التشاؤم حدة بين السوريين، كلما اتسعت الفجوة بين مستوى دخلهم ومستوى الأسعار، حيث يبدو الحديث بعدها عن رفع الأجور والرواتب، غير ذي معنى، ولا يحسن من المزاج العام، بل على العكس، يجعلهم يشعرون وكأنهم يمشون في طريق لا نهاية له، أو يمشون والطريق يمشي أمامهم.

الكثيرون يتساءلون: ماذا بعد..؟ إلى أين تمضي الأمور في سوريا..؟ هل يعقل أننا ذاهبون إلى المجاعة..؟

في الواقع، لا يوجد مشكلة إلا ولها حل.. وفي الحالة السورية، وإن بدت أكثر تعقيداً، بعد أن قام النظام بالتخلي عن مقدرات البلد الاقتصادية لصالح حلفائه الروس والإيرانيين، إلا أن الحل لازال قائماً وهو بيد النظام.. كيف يكون ذلك؟ هذا ما سنحاول أن نطرحه في الأسطر التالية..

أولاً، لقد بدا واضحاً أن السوريين لم يعد لديهم ثقة بهذا النظام ورجالاته من كافة المستويات، العسكرية والسياسية والاقتصادية.. لذلك لا بد من التغيير مهما كانت التكلفة مؤلمة على هذا النظام، الذي يتشبث بالسلطة حتى آخر سوري، وذلك من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة، بدءاً من البلديات وانتهاء بمجلس الشعب وتشكيل حكومة تكنوقراط، لا علاقة لها بالمواقف السياسية تجاه أي من الأطراف، مع تنازل "الرئيس" عن الكثير من صلاحياته وسلطاته لصالح هذه الحكومة.

ثانياً، إخراج أجهزة المخابرات والجيش من الشارع، والحد من سلطاتهم، وإشاعة جو من الأمان عبر سن قوانين تنظم الحياة العامة وتفصل بين السلطات، وتقوم على مبدأ المحاسبة الصارمة لكل فاسد وخارج عن القانون، بعيداً عن المحسوبيات وعبارة "ما بتعرف مع مين عم بتحكي ولاك".

ثالثاً، إخراج إيران وميليشياتها من سوريا والتوقف عن هذا الخطاب الخنفشاري حول المقاومة والممانعة، وفتح وسائل الإعلام لكي تلعب دوراً في تهيئة الأجواء الإيجابية في الشارع ولدى جميع المهجرين خارج سوريا.

رابعاً، دعوة جميع السوريين للعودة إلى سوريا، مع عقد مؤتمر وطني شفاف، يعلن فيه الرئيس توقفه عن الترشح للرئاسة مع تعهدات بهذا الأمر، وبأنه يدير مرحلة انتقالية هدفها الوصول بسوريا إلى بر الأمان وإنقاذ حياة المواطن المعاشية.

خامساً، فتح البلد للمستثمرين للعودة والعمل في سوريا، مع إعطاء امتيازات وإعفاءات ضريبية مجزية، بالإضافة للتعهد بحماية أعمالهم، ومشاركتهم بالقرارات الاقتصادية.

هذه البنود الخمسة التي يجب أن يتم العمل عليها خلال فترة زمنية بين ستة أشهر إلى عام، باعتقادنا كافية مبدئياً لوقف نزيف الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلد، وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل والبناء.

أما في حال لم يعمد النظام لاتخاذ أي خطوات باتجاه التغيير والإصلاح، فإن البلد بالفعل ذاهبة إلى ما بعد الهاوية، بحسب وصف أحد المحللين الاقتصاديين الموالين للنظام.

وبحسبة بسيطة، فإن البلد بحاجة سنوياً لاستيراد نحو 40 مليون برميل نفط، بقيمة لا تقل عن 4 مليارات دولار، واستيراد قمح لا يقل عن مليون طن، أصبحت قيمتها بعد ارتفاع أسعار القمح العالمية أكثر من نصف مليار دولار، ناهيك عن باقي المستلزمات الغذائية من سكر ورز وغيرها من المواد، والتي تحتاج إلى نحو مليار دولار سنوياً، فيما تشير المعطيات إلى أن المصرف المركزي خالي من العملات الصعبة، ويعتمد النظام بشكل كلي على الاستدانة من إيران، التي بدأت تسيطر على كل ما تريد مقابل هذه الديون.

هذا يشير إلى أن الشعب السوري يواجه خطر المجاعة، حقيقةً لا مجازاً، مع تواتر الأخبار التي تتحدث عن توقف الكثير من الدولة المنتجة للمواد الأساسية، وبالذات الغذائية، عن تصديرها، ما يعني أن أكثر الدول المعرضة للخطر، هي تلك التي لا يوجد فيها أية موارد، كسوريا بالدرجة الأولى.

لا يخفى على أحد، أن سوريا تعاني من مشكلة ومعضلة حقيقية في تأمين حاجتها من المحروقات والكهرباء والغذاء، ولا يمكن لبلد مثل إيران أن يكون قادراً على تحمل معيشة كتلة سكانية تقدر بأكثر من 15 مليون نسمة.. بل إن الأمر يفوق قدرة دول غنية كبرى.. وبالتالي فإن الضغط سوف يزداد على الشعب السوري في المرحلة القادمة، وسط معطيات بدأت تشير إلى أن الكثير من أصحاب الأعمال، بما في ذلك أصحاب الأعمال الصغيرة، كالمحال التجارية، بدأوا بتصفية تجارتهم، وبيع ممتلكاتهم، والتوجه إلى أرض الله الواسعة، بحثاً عن شروط حياة أفضل، بعدما ضاقت بهم بلادهم.. وهؤلاء يشكلون اليوم عصب الحياة العامة في سوريا، ويمكن اعتبارهم آخر ما تبقى للبلد من مقدرات، بعدما تم استنزاف كل طاقاته البشرية الاقتصادية.

نهاية القول: لقد قتل النظام كل شيء في سوريا.. ولم يتبق سوى جزء بسيط من أمل بمستقبل أفضل.. فرجاءً لا تقتلوه.

ترك تعليق

التعليق