الانتقال من ضريبة "الإنفاق الاستهلاكي" إلى "القيمة المضافة".. كيف سينعكس على السوريين؟

 

علّق خبير اقتصادي سوريّ، على قضية إلغاء ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، واستبدالها بضريبة القيمة المضافة، وفق مشروع قانون الضريبة على المبيعات، الذي يجري العمل عليه من جانب وزارة المالية السورية.

وقال الدكتور في اختصاص التمويل والبنوك، محمود مفيد عبد الكريم، إن السياسة المالية في سوريا شهدت مؤخراً تحولاً جوهرياً بعد إلغاء ضريبة الإنفاق الاستهلاكي التي طُبقت لأكثر من 35 عاماً، والانتقال إلى ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%. وأشار إلى أن هذا القرار لا يُعد مجرد تعديل تقني، بل يمثل إصلاحاً هيكلياً في النظام الضريبي، يحمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية مباشرة على المواطن وعلى المالية العامة للدولة.

كان وزير المالية، محمد يسر برنية، قد أعلن أمس الثلاثاء، أن لجنة الإصلاح الضريبي في وزارته، أنجزت مشروع قانون الضريبة على المبيعات. مضيفاً أن القانون الجديد سيلغي ضريبة الإنفاق الاستهلاكي الموجودة منذ 35 عاماً، ويمهد للانتقال لضريبة القيمة المضافة. مشيراً إلى أنه سيكون وهناك إعفاء كامل للسلع الغذائية والأساسية من الضريبة.

وقدّم الدكتور محمود مفيد عبد الكريم، شرحاً تفصيلياً للفرق بين ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، وضريبة القيمة المضافة، وأثر كل منهما، على المستهلك النهائي، وهو المواطن السوري.

وفي منشور على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، قال الكريم إن ضريبة الإنفاق الاستهلاكي كانت تُفرض عند الاستهلاك النهائي فقط، ما يعني أن المستهلك هو من يتحمل العبء كاملاً. فإذا اشترى مواطن سلعة بقيمة 100,000 ليرة سورية بنسبة ضريبة 10%، كان يدفع 110,000 ليرة. في المقابل، ضريبة القيمة المضافة تُفرض بشكل تدريجي على كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، بدءاً من الاستيراد وحتى البيع النهائي، مع وجود آلية الخصم الضريبي التي تسمح للشركات بخصم ما دفعته في المراحل السابقة. هذه الآلية تمنع تراكم الأعباء وتوزعها عبر سلسلة القيمة، وتجعل الضريبة أكثر عدالة وانتشارًا. على سبيل المثال، إذا بلغت القيمة النهائية لسلعة معينة 150,000 ليرة، فإن المستهلك النهائي سيتحمل فقط 5% أي 7,500 ليرة، بينما تحصل الدولة على الإيراد ذاته لكن عبر نظام أكثر شفافية وتدرجاً.

وأضاف الخبير الاقتصادي السوري أن الفرق بين النظامين واضح. ضريبة الإنفاق الاستهلاكي كانت تركز العبء في مرحلة واحدة وتُثقل كاهل المواطن مباشرة، بينما ضريبة القيمة المضافة تُوزع العبء على مراحل متعددة وتُلزم الشركات بالتوثيق المحاسبي، مما يقلل فرص التهرب الضريبي ويُعزز العدالة. كذلك فإن طبيعة VAT تجعلها أكثر استقرارًا في تأمين الإيرادات، لأنها لا تعتمد فقط على الاستهلاك النهائي بل تشمل كافة حلقات الاقتصاد.

وعقّب الكريم، أنه من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يؤدي القرار إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أن السلع الغذائية الأساسية ستكون معفاة. فإذا كانت أسرة تنفق مليون ليرة شهرياً على الغذاء وكانت تدفع سابقاً 100,000 ليرة كضريبة إنفاق استهلاكي، فإنها ستُعفى الآن من هذا العبء، مما يزيد من قدرتها على الإنفاق في مجالات أخرى. ومن جهة أخرى، خصصت الحكومة 25% من حصيلة VAT لدعم الصناعة والصادرات. وهذا يعني أنه إذا بلغت حصيلة الضريبة تريليون ليرة، فإن 250 مليار ليرة ستوجه مباشرة لدعم الإنتاج المحلي وتعزيز تنافسيته داخلياً وخارجياً.

ويضيف الكريم: أما على مستوى الإيرادات العامة، فالأرقام توضح أهمية القرار. ففي عام 2023 بلغت إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم حوالي 6 تريليونات ليرة سورية، منها نحو 1.2 تريليون ليرة من ضريبة الإنفاق الاستهلاكي وحدها. ومع إلغاء هذه الضريبة والانتقال إلى VAT بنسبة 5%، وإذا افترضنا أن حجم الاستهلاك المحلي يبلغ 20 تريليون ليرة سنوياً، فإن الحصيلة المتوقعة تصل إلى 1 تريليون ليرة، وهو رقم قريب من حصيلة الضريبة القديمة لكن مع عدالة أكبر وشفافية أعلى. كما يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم تدريجيًا مع تحسن الالتزام الضريبي وإدخال الاقتصاد غير الرسمي ضمن المنظومة.

ويتابع الكريم، أنه من الطبيعي أن يُطرح السؤال: هل سيضعف هذا القرار دخل الدولة؟ على المدى القصير قد تواجه الخزينة فجوة مالية بسيطة نتيجة الانتقال، لكن على المدى المتوسط والطويل، يُرجح أن تكون الإيرادات أكثر استقرارًا واستدامة بفضل القاعدة الواسعة لضريبة القيمة المضافة. أما البدائل التي يمكن أن تعتمد عليها الدولة لسد أي نقص مؤقت فتشمل توسيع القاعدة الضريبية عبر دمج الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل أكثر من 30–40% من الناتج المحلي، إضافة إلى فرض ضرائب نوعية على السلع الكمالية والعقارات الفاخرة وقطاع الاتصالات، وتحسين عوائد التجارة الخارجية.

ولتعزيز الفهم، يمكن وضع محاكاة رقمية لثلاثة سيناريوهات محتملة للإيرادات من ضريبة القيمة المضافة:

في السيناريو المتفائل، إذا بلغ الالتزام الضريبي 90% وحجم الاستهلاك 22 تريليون ليرة، فقد تحقق الدولة إيرادات تصل إلى 1.1 تريليون ليرة.

في السيناريو المعتدل، مع التزام عند 75% واستهلاك بـ 20 تريليون ليرة، ستكون الإيرادات حوالي 1 تريليون ليرة، وهو مستوى مقارب لإيرادات ضريبة الإنفاق الاستهلاكي السابقة.

في السيناريو المتحفظ، إذا كان الالتزام ضعيفًا عند 60% مع استهلاك 18 تريليون ليرة، فقد لا تتجاوز الإيرادات 0.54 تريليون ليرة، ما يفرض على الدولة البحث عن بدائل لسد العجز.

ويتابع الكريم: ولتقريب الصورة أكثر للقارئ، يمكن توضيح آلية عمل الضريبتين بمثال عملي:

في نظام ضريبة الإنفاق الاستهلاكي: إذا اشترى مستهلك جهازاً كهربائياً بسعر 500,000 ليرة وكانت الضريبة 10%، فسيدفع 550,000 ليرة مباشرة، أي أن العبء يتركز بالكامل عليه.

في نظام ضريبة القيمة المضافة: إذا استوردت شركة مكونات الجهاز بقيمة 300,000 ليرة ودُفعت عليها ضريبة 5% (15,000 ليرة)، ثم ارتفعت قيمتها بعد التصنيع إلى 400,000 ليرة فدُفعت ضريبة جديدة 20,000 ليرة مع خصم 15,000 ليرة السابقة، أي دفع 5,000 ليرة إضافية فقط. وعند بيع الجهاز للمستهلك بـ 500,000 ليرة تُفرض ضريبة 25,000 ليرة، ويُخصم منها ما سبق دفعه (20,000 ليرة)، فيدفع البائع 5,000 ليرة إضافية. النتيجة النهائية أن المستهلك يدفع 25,000 ليرة ضريبة موزعة على مراحل، بينما تحصل الدولة نفس الإيراد لكن عبر آلية أكثر عدالة وشفافية.

ويختم الكريم بالإشارة إلى أن الانتقال من ضريبة الإنفاق الاستهلاكي إلى ضريبة القيمة المضافة يُمثل خطوة إصلاحية شاملة، توازن بين تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم الصناعة المحلية، وتحقيق العدالة الضريبية، وتوفير موارد مالية مستدامة للدولة. وإذا طُبق هذا النظام بصرامة ضمن أطر محاسبية ورقابية متطورة، فإنه سيكون قادراً على تحسين الأداء الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل، وبناء ثقة جديدة بين المواطن والدولة عبر نظام ضريبي أكثر شفافية وفعالية.

ترك تعليق

التعليق