العلاج بالصدمة
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 04 تشرين الثاني 2025 --
- 0 تعليقات
على ما يبدو أن من يديرون الاقتصاد السوري في الفترة الراهنة يميلون في مواجهة الجرائم الاقتصادية التي خلفها نظام الأسد البائد، إلى نظرية العلاج بالصدمة، وهي تعني تحرير الاقتصاد بشكل مفاجئ من خلال رفع الدعم وخفض الإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى خصخصة الأصول المملوكة للدولة على نطاق واسع.
هناك الكثير من الدول التي استخدمت طريقة العلاج بالصدمة لمواجهة تحولاتها الاقتصادية، منها تشيلي في عام 1975، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قام به أوغستو بينوشيه، الذي قام بخفض الضرائب، وتحرير التجارة، وخصخصة الخدمات، وخفض الإنفاق الاجتماعي، وتحرير الاقتصاد من الرقابة، وهو ما تسبب على المدي القصير في بطالة جماعية وفقدان القوة الشرائية، لكن على المدى الطويل، أصبح معدل النمو السنوي للفرد في تشيلي في الفترة بين عامي 1985 إلى 1996 نحو 5 في المائة، وهو أعلى بكثير من بقية دول أمريكا اللاتينية.
كذلك نجحت بوليفيا في عام 1985 في معالجة التضخم المفرط من خلال أسلوب العلاج بالصدمة، بعدما كانت تعانى من معدلات فقر مرتفعة، ومديونية كبيرة، ثم دخلت في موجات عنيفة من التضخم الجامح جعلت الدولار الأمريكي الواحد يتم صرفه في السوق السوداء بنحو 5000 بيزو بوليفى في عام 1983، ثم بنحو 10.000 بيزو في عام 1984، ثم بنحو 50.000 بيزو من العام نفسه، ثم ارتفع الدولار الأمريكي ليصل إلى 250.000 بيزو بحلول شهر كانون الأول من عام 1984 وبلغ نحو مليوني بيزو في تموز 1985. ففي عام واحد فقط ارتفعت أسعار الصرف بأكثر من ثلاثين ضعفاً.
وفي منتصف العام 1985 أصدر الرئيس البوليفي آنذاك صكاً قانونياً فرض سياسات اقتصادية نيوليبرالية من أجل إنهاء أزمات بوليفيا المزدوجة المتمثلة بالديون الدولية والتضخم، وخلال بضعة أشهر انخفض التضخم إلى ما بين 10 و20 في المائة، ثم تراجعت معدلات البطالة إلى مستويات كبيرة في الأعوام التالية.
وأيضاً تجرية بولندا تستحق الاهتمام في هذا المجال بعد خروجها من المعسكر الشيوعي في العام 1992، والتي نجحت بالخروج من أزماتها الاقتصادية على المدى الطويل، لكنها دفعت ثمناً باهظاً على المدى القصير، تمثل بارتفاع معدل البطالة والفقر وانهيار الصناعة الوطنية.
وهناك أمثلة فاشلة على تطبيق نظرية العلاج بالصدمة، أبرزها ما حصل في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتي انهار اقتصادها بالكامل، ولم تنجح بضبط الأوضاع إلا بعد قيام الدولة بإعادة السيطرة على الكثير من الأصول ووسائل الإنتاج التي كانت قد باعتها للقطاع الخاص بأسعار بخسة.
في الحالة السورية هناك من يرى أنها لا تشبه النماذج السابقة الذكر، وبالذات من حيث الظروف التي تعرضت لها البلد خلال سنوات الثورة الـ 14 الماضية، والتي أدت إلى دمار هائل في المدن والأرياف بالإضافة إلى هجرة أكثر من نصف السكان، داخلياً وخارجياً.
بمعنى آخر، أن علاج المشكلة في سوريا لا يجب أن يبدأ بالتحول من نمط اقتصادي كانت تسيطر وتتحكم به السلطة إلى نمط اقتصادي أكثر انفتاحاً وتحرراً، وإنما يجب أن تكون أولوية الحكومة هو مشاريع إعادة الإعمار وإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وهذا يتطلب في البداية البحث عن مشروع اقتصادي يشبه مشروع مارشال في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، قبل البحث عن تحرير الاقتصاد، ولا بأس أن يكون بالتزامن معه.
لهذا يرى الكثير من الاقتصاديين أن من أبرز العيوب والمخاطر من تطبيق العلاج بالصدمة في السياق السوري، هو ارتفاع التضخم وانهيار القوة الشرائية إذ أن رفع الدعم وتحرير الأسعار سوف يؤدي إلى قفزات حادة في الأسعار، مما يزيد من معدلات الفقر والجوع، فضلاً عن أن ضعف الإنتاج المحلي يعني أن الأسعار سترتفع دون أن يقابلها تحسن في الأجور.
العلاج بالصدمة سوف يفيد فئة صغيرة (من يملكون رؤوس الأموال أو النفوذ) وفي المقابل، الطبقة الوسطى والفقيرة سوف تنهار تماماً. وهذا ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وانعدام ثقة بين الشعب والحكومة.
العلاج بالصدمة يحتاج إلى شبكة حماية (دعم نقدي، تأمين بطالة، برامج فقر). وفي سوريا هذه البنية شبه غائبة، لذا ستكون الصدمة مدمّرة اجتماعياً.
لهذا يرى الكثيرون أن البديل الأنسب بدلاً من العلاج بالصدمة هو من القيام بإصلاح تدريجي منظم عبر إعادة بناء مؤسسات الدولة والرقابة أولاً، ودعم الإنتاج المحلي قبل فتح السوق، ورفع الدعم تدريجياً مع تقديم بدائل نقدية مباشرة. وأخيراً، مكافحة الفساد قبل الخصخصة.

التعليق