"نازح ويعيد" حال بعض السوريين في لبنان ومصر...وعيون سورية ترنو إلى اللجوء الأوروبي

عادت (ل،ح) إلى منزلها المستأجر في صيدا اللبنانية منذ أيام، بعد أن عاشت تجربة النزوح والهروب من بين النيران، للمرة الثانية في حياتها، هي وعائلتها الصغيرة.

قصة (ل، ح) تتكرر كثيراً بين السوريين هذه الأيام، فالكثير منهم يعاني تجارب نزوحٍ للمرة الثانية وأحياناً الثالثة.

نزحت (ل، ح) للمرة الأولى منذ أكثر من عام من منزلها في كفربطنا بريف دمشق، وقد علمت أن البناء الذي كانت تسكنه قد أصبح مهترئاً ويستعد للانهيار في أية لحظة، فأصبحت واثقة من أنها فقدت المنزل الذي وضعت فيه كل شقاء عمرها.

بعد أشهر توفيت والدتها التي كانت تسكن لديها، فقررت مع أشقائها أن يبيعوا بيت الأهل الموروث، وهو في العدوي بدمشق.

أخذت نصيبها من المنزل الذي باعوه بخسارة تقارب 6 ملايين ليرة، ومن ثم قررت مغادرة سوريا بعد أن تعرّض ابنها المراهق لاعتقال عشوائي من أحد الأجهزة الأمنية التابعة للأسد بدمشق، خرج منه سالماً، رغم ندرة ذلك، فحزمت أمرها على النزوح الكامل عن الأراضي السورية، ووقع اختيارها على مصر.

في مصر، واجهت (ل، ح) مع زوجها صعوبة في إقناع الأولاد بالانسجام مع الأجواء المصرية في الغردقة على البحر الأحمر، فذهبت إلى القاهرة، لكنها لم تشعر بارتياح هناك، فإيجارات البيوت عالية جداً، والمناطق المكتظة بالسوريين تشهد ارتفاعاً بالأسعار، ومشاحنات، وإن كانت ما تزال محدودة، مع المصريين، ناهيك عن أن بعض السوريين امتهن النصب والابتزاز بسبب سوء الأوضاع المالية، الأمر الذي دفعها للابتعاد عن أجواء القاهرة وضواحيها.

لكن في الغردقة المصرية عاد ابنها للتمرد، فقررت الخضوع لرغبة الأولاد، بالنزول إلى لبنان، حيث أشقاء زوجها يعتزمون تأسيس مشروع في صيدا اللبنانية، وهناك يلقى السوريون شيئاً من الترحاب من جانب السكان.

انتقلت (ل، ح) مع عائلتها إلى لبنان، واستقرت في صيدا في منزل واسع مستأجر مع عدد كبير من الأقارب، تقاسموا التكلفة، وبدؤوا سوياً بالتأسيس للمشروع المزمع إنشاؤه، وما هي إلا أسابيع حتى اندلعت المواجهات الأخيرة بين جماعة الشيخ الأسير، وبين الجيش اللبناني المدعوم بمقاتلين من حزب الله.

قالت (ل، ح) لـ "اقتصاد": "عشت ساعات مروّعة في حياتي، ذكرتني بأيام الاشتباكات بكفربطنا، فنزحت مرة أخرى من صيدا إلى بيروت، وشعرت بمرارة النزوح مرة جديدة".

تخشى (ل، ح) من تداعيات ما حدث، وهي لا تشعر بالطمأنينة، رغم أنها رجعت مع عائلتها إلى صيدا بعد أن هدأت الأوضاع، "لكن هل سنستقر طويلاً قبل أن تنفجر الأوضاع مرة أخرى"، تتساءل (ل، ح)، فهي تظن أن لبنان يقف على فوهة بركان، يمكن أن يثور في أية لحظة، وتسأل: "إلى أين سننزح هذه المرة".

وكان بعض الناشطين والإعلاميين السوريين قد حذر الجيش الحر من تنفيذ تهديداته بنقل المعارك مع حزب الله إلى داخل الأراضي اللبنانية، خشيةً على مصير اللاجئين السوريين في لبنان، الذين قاربوا المليون لاجئ، بعضهم في أوضاع معيشية مُزرية.

أما في مصر، فرغم هدوء الأوضاع واستقرارها نسبياً، ورغم أن أوضاع السوريين والتعامل معهم من جانب المصريين، أفضل قياساً بأوضاعهم في باقي دول اللجوء العربية، إلا أن المخاوف تتفاقم جراء الاضطراب السياسي والأمني المتصاعد في المشهد المصري.

وكانت مواقف الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة بقطع العلاقات مع نظام الأسد قد أثارت حفيظة مؤيدي المعارضة المصرية، الذين بدأ بعضهم يتخذ مواقف سلبية من السوريين عموماً.

وقد صدرت بعض الاتهامات من جانب ناشطين مصريين من أن سوريين لاجئين في مصر ينخرطون في نشاطات الإخوان المسلمين، وينزلون معهم في المظاهرات الداعمة للرئيس مرسي.

وأصدرت بعض الفصائل السياسية المصرية المعارضة بيانات تحذّر فيها السوريين المقيمن في مصر من الانخراط في أية نشاطات للإخوان المسلمين.

وقد رافق ذلك تحذيرات من جانب عدد من النشطاء السياسيين والإعلاميين السوريين من مغبة انخراط بعض السوريين في نشاطات لأي طرف مصري، منبهين إلى ضرورة حياد السوريين حيال المشهد السياسي المصري، كي يحافظ السوريون على مودة غالبية الشارع المصري تجاههم.
ومن بين من أطلق هذه التحذيرات، فراس طلاس، رجل الأعمال السوري، ونجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، الذي دعا كل سوري انخرط بنشاطات سياسية وميدانية مع أي فصيل سياسي مصري، أن يأتي إلى سوريا، للانخراط بالثورة هنا، بدلاً من تأليب بعض المصريين على الوجود السوري في بلادهم، حسب ما كتب في صفحته على الفيس بوك.

ومن ذلك أيضاً ما كتبه، ياسين الحاج صالح، أحد المنظّرين السوريين البارزين، من ضرورة أن يقف السوريون على الحياد، لأن من واجبات الضيف ألا يتدخل في شؤون مُضيفه، مقابل إكرامه، وأن على السوريين ألا يتدخلوا فيما لا يعنيهم في الشأن المصري.

وقد سأل "اقتصاد" (ر، ج)، وهي سورية مقيمة في القاهرة منذ أكثر من عقدين، ولها صلات طيبة وعميقة مع المصريين، حول إن كانت تلمست أي استياء أو سلبية من جانب بعض المصريين تجاه السوريين الموجودين هنا، بعد أن سجّلت مصادر إعلامية مصرية مشاركة بعض السوريين في مظاهرات للإخوان، فقالت (ر،ج): "لم أتلمس أي تغير في موقف المصريين تجاه الشعب السوري، فهم ما يزالون متعاطفين معنا عموماً، وكثير منهم يقدّر أن من يشارك من السوريين في مظاهرات الإخوان هم ممن يستضيفهم الإخوان في منازل لهم، أي أن ذلك يأتي على سبيل المجاملة ورد الجميل، ومعظم السوريين في مصر على الحياد".

وتتزايد مخاوف السوريين، كما هو حال أقرانهم المصريين، من أن تؤدي المظاهرات الضخمة للمعارضة اليوم إلى انفلات أمني وصدامات شديدة بين المؤيدين والمعارضين للرئيس مرسي، تقول (إ، ج)، وهي سورية مقيمة في مصر، لـ"اقتصاد": "إن اشتعلت مصر بالفتنة والاقتتال، أين يمكن أن نذهب، ألا يكفي مرارات النزوح التي عانيناها في سوريا، حينما نزحنا من قرانا أولاً، ثم من العاصمة إلى مصر ثانياً، والآن...هل سننزح ثالثاً...إلى أين؟".

(ف، د) سوري مقيم في مصر أيضاً، أخبر "اقتصاد" أنه يفكر جدياً بالهجرة إلى أوروبا أو أمريكا، خاصة في ظل ما يُشاع عن أن الأوروبيين قد يفتحوا أبواب بلدانهم أمام بعض السوريين اللاجئين، وأنه بدأ يدرس الأمر جدياً.

(ك، ش) سوري مقيم في قطر ويعمل هناك، يقول لـ"اقتصاد": "في أي لحظة هنا قد يطردوننا، لا أشعر بالأمان، لذا أفضّل أن أهاجر إلى أوروبا، صديقي ذهب زيارة إلى هولندا، وبقي شهرين هناك، ومن ثم حصل على لجوء إنساني، فأعطوه كل متطلبات الحياة الكريمة هناك هو وعائلته".

وهكذا يبدو أن بعض السوريين أدمن النزوح، أو أن الظروف جعلته قدراً متكرراً للكثير منهم، حيث إنهم ما إن يستقروا لفترة في مكان، حتى يجدوا أنفسهم عُرضة لضغوط معيشية وأمنية تضطرهم للنزوح مرة جديدة.

ترك تعليق

التعليق