كلاهما يفرض 15 ألفا.. مجلس الشعب والسوق السوداء يتفقان على سعر موحد لـ"الجواز المستعجل"!

أقر مجلس الشعب مؤخرا قانونا خاصا برفع تكاليف استصدار جوازات السفر للسوريين، وتحديدها بـ 4 آلاف ليرة لكل جواز يصدر ضمن نظام الدور، و15 ألف ليرة لنظام "المستعجل" الذي لم يسبق أن تم تطبيقه، حيث يمكن لصاحب العلاقة أن يحصل على الجواز بسرعة، لقاء 15 ألف ليرة فقط!

ورغم أن مبلغ "المستعجل" يعادل حوالي 4 أضعاف "العادي"، فإن القانون لم يحدد المدة التي سينتظرها أصحاب الطلب المستعجل، كما لم يتطرق من قريب أو بعيد للسوق السوداء الخاصة بجوازات السفر، والتي شكلت خلال العام المنصرم واحدة من عوامل استنزاف جيوب ذوي الدخل المحدود.

"إ. ج" يروي لـ "اقتصاد" رحلته التي وصفها بـ"الأليمة" لاستصدار جواز سفر من فرع الهجرة والجوازات بدمشق، موضحا أنه ومنذ التطورات الميدانية التي شهدتها دمشق خلال الصيف الماضي، تضاعفت طلبات الحصول على جوازات السفر عدة مرات، وبعد أن كانت طلبات استصدار جواز السفر معدودة، أصبحت بالعشرات ثم بالمئات ثم بالآلاف يوميا.

ويستعرض "إ. ج" المراحل التي مرّ بها حتى حصل على جواز السفر، قائلا: عليك أولاً أن تأتي فجرا، لتحجز لنفسك مكانا في دور طويل للحصول على طلب لاستصدار الجواز، وقد يطول بك الوقوف في هذا الصف من الفجر حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ظهرا، قبل أن تنتهي الكمية المحدودة من طلبات الاستصدار المتاحة من إدارة الجوازات.

ويحكي كيف أن بعض الناس يأتون في وقت مبكر للغاية، حتى قبل حلول الفجر، كي يحجزوا مكانا متقدما في الدور، ومن ثم يبيعون هذا المكان لآخرين يأتون متأخرين، لقاء مبلغ يتراوح بين 500 وألف ليرة، حسب الاتفاق.

من جانبها، تقول "د.ط" أنها اتفقت منذ 6 شهور مع شخص دلّها عليه أصدقاء موضع ثقة، وعرّفوه على أنه معقب معاملات له علاقات داخل فرع الجوازات بدمشق.

وتشير إلى أن الرجل طلب 15 ألف ليرة لقاء استخراج الجواز الواحد، فدفعت له بالفعل 60 ألف ليرة مقابل 4 جوازات، لكن بعد فترة بدأ الرجل يتهرب منهم، ومن ثم أخبرهم بأن صديقه الذي كان يعاونه من داخل الفرع نُقل، وأنه بات عاجزا عن مساعدتهم، ورفض أن يعيد لهم ما دفعوه بحجة عجزه عن تسديد هذا المبلغ في الوقت الراهن، فعلمت "د. ط" أنها تعرضت لعملية نصب.

فيما يؤكد "ل. و" أنه استصدر جوازات له ولعائلته عن طريق أحد معقبي المعاملات الموثوقين بـ 15 ألف ليرة لجواز السفر الواحد، دون أن يضطر للوقوف في طابور الانتظار الطويل، ودون أن يدخل معمعة الزحام الكارثي قبل الوصول إلى النافذة الخاصة بإجراء المعاملة.

واللافت في شهادات من التقيناهم، تطابق المبلغ الذي يقدمونه لسماسرة الجوازات (15 ألف ليرة للجواز)، والمبلغ الذي حدده مجلس الشعب لاستصدار الجواز المستعجل، ما يثير أكثر من علامة استفهام عن مدى ترابط الطرفين (السماسرة والمجلس) وتقاطع مصالحهما!

أحدهم وصف المشهد داخل فرع الجوازات بـ "غير الآدمي"، حيث الازدحام ينال من الخصوصيات، وقد تعرض الكثيرون للسرقة في هذه الأوضاع، ناهيك عن حصول حالات اختناق وإصابات بالإعياء، بسبب التدافع والتصاق الأجساد الشديد، حيث يستحيل الخروج من لجّة البشر المتدافعين، أمام كوة تقديم الأوراق.
وفوق ذلك، اشتكى كثيرون ممن تحدثت "اقتصاد" معهم، من معاملة سيئة وفوقية يمارسها معظم موظفي الفرع، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الازدراء والابتزاز، اللهم إلا لدى قلة من موظفين شرفاء ليسوا راضين عما يحدث.

"ط. و" أكد لنا أن العميد المسؤول كان يقوم بجولات تفتيشية على الطوابير والنوافذ المختصة بالمعاملات، ولكن "شكليا" ولرفع العتب عنه.

فبعد أن يخرج العميد بثوانٍ، يدخل رجال ونساء عبر البوابات ليقفوا وراء موظفي النوافذ المختصة، الذين يقومون بتخليص معاملات هؤلاء بسرعة كبيرة، مقابل مبلغ متفق عليه، و"على عينك يا تاجر"، دون أي خجل أو وجل من غضب الواقفين في الدور منذ ساعات، لأن أي اعتراض أو انتقاد من الواقف في الدور، سوف يكلفه عرقلة إصدار جواز سفره، من قبل نفس الموظف المرتشي!، كما بات يعلم الجميع.

"ك.ر"، استطاع قبل 6 أشهر أن يحظى بجواز سفر، كلفه انتظارا لمدة شهر، ورغم أنه تجاوز كل المراحل دون أن يدفع قرشا واحدا، إلا أنه في المرحلة الأخيرة الخاصة بتسلم جواز السفر، فقدَ قدرته على الصمود والتحمل، ولم يعد يتصور نفسه وسط موج بشري هادر أمام كوة الاستلام، فاستسلم ودفع 3 آلاف ليرة لموظف في الفرع كي يحصل على الجواز "دون تدفيش"، وبالفعل رجع بعد حوالي نصف ساعة ليأخذ الجواز من الموظف، الذي قبض "المعلوم".

ومما يزيد معاناة السوريين في سبيل الحصول على جواز سفر، ما يتردد منذ شهور، عن وجود جوازات مزورة، ما عقّد مساعي البعض لاستصدار جواز عبر السوق السوداء، خشية أن يقعوا ضحايا لمزورين محترفين، ورفع –أيضا- تكلفة استصدار الجواز من جانب "الموثوقين" في هذه السوق إلى 25 ألف ليرة للجواز الواحد، وربما أكثر في بعض الأحيان.

فهل كان القانون الأخير –حقا- محاولة لضبط السوق السوداء لجوازات السفر، أم إن الغاية منه فعليا زيادة أرباح العاملين في هذه السوق، و "أتعاب" الموظفين المتعاملين معهم داخل إدارة الجوازات؟
ربما يكون الجواب في نتائج هذا القانون، الذي يبدو أنه فصّل جواز سفر "مريحا" للمقتدرين، وآخر "متعبا ومهينا" لقليلي الدخل والحيلة و.. "الواسطة"!

ترك تعليق

التعليق