جميل وسلمان يفتحان النار على ميّالة...مزايدات "القيمة الحقيقية للدولار" وطروحات العودة إلى ""الثمانينات"

فتح قدري جميل، نائب رئيس وزراء النظام، ووزير التجارة الداخلية، النار من جديد على زميله، أديب ميالة، حاكم مصرف سوريا المركزي.

ففي افتتاحية جريدة قاسيون الناطقة باسم حزب قدري جميل الشريك في ائتلاف حكومة النظام، وصف الرجل سياسات حاكم المركزي، بـ "غير وطنية بالمطلق"، وبصورة غير مباشرة، اتهم جميل سياسات ميالة بأنها "تتكامل مع الضغوط الاقتصادية الخارجية من حصار وعقوبات لتصب بنهاية المطاف في تأزم الموقف أكثر فأكثر".

ودعا جميل إلى اتخاذ قرار حاسم بوقف الإتجار بالدولار نهائياً، و"ما يستلزمه ذلك من إغلاق محال الصرافة ومحاسبة الصيارفة والإدارة المالية للمصرف المركزي وتعديل سياساته جذرياً، وإيقاف دعم مستوردات القطاع الخاص نهائياً، واحتكار استيراد السلع الأساسية بيد الدولة، وإجبار البنوك الخاصة على إيداع احتياطياتها من العملات الصعبة لدى المصرف المركزي، وتأمين سلة غذائية شهرية مجانية كاملة أو شبه كاملة لكل عائلة سورية وفقاً لعدد أفرادها، ومنع تصدير المواد الغذائية وتجريمه، وتأمين إغراق الأسواق بالسلع الأساسية بالاستفادة من الخطوط الائتمانية التي يجري العمل عليها".

وأعاد جميل إطلاق تقديراته التي سبق أن أثارت الكثير من الانتقادات بخصوص "القيمة الحقيقية للدولار"، فرفع تقديراته هذه المرة إلى الرقم 120، بعد أن كان قد حدد الـ 100 ليرة كقيمة حقيقية للدولار منذ أسابيع، قبل أن تقفز العملة الخضراء قفزاتها الأخيرة لتستقر في الأيام القليلة الماضية بين 235 و250 ليرة للدولار الواحد، تحت تأثير تدخلات المركزي.

تدخلات المركزي تلك كانت سبب انتقادات جميل اللاذعة، فالجلسة الأخيرة، أمس الثلاثاء، باع فيها المركزي الدولار بـ 230 لبعض شركات الصرافة، وكانت جلسة سابقة قد عقدها المركزي أيضاً لبيع الدولار، بغية التأثير على سعر الصرف الذي تجاوز كل التوقعات مطلع رمضان ليصل إلى 350 ليرة، فنجح المركزي في خفض سعر الدولار بالفعل، إلى أقل من 250 ليرة في معظم منافذ البيع.

وأكد جميل أنه انطلاقاً من كم المعروض من النقد السوري مقابل معروض البضائع في هذه اللحظة، فإن القيمة الحقيقية للدولار لا تتجاوز 120 ليرة سورية، وأن "كل الانحرافات عن هذه القيمة ناتج عن تكافل عاملين هما المضاربة التي يسهلها المصرف المركزي بسياساته، وإغراق العدو للأسواق المجاورة بالليرة السورية".

ودعا جميل إلى اعتماد استراتيجية "اقتصاد الحرب"، و"أن اقتصاد الحرب لا يُدار إلا بحكومة حرب تؤمن اصطفاف الجيش والشعب في وجه أصحاب رؤوس الأموال وحملة السلاح غير الشرعي من كل الأطراف، أي أنه بحاجة إلى حكومة تختلف عن الحالية جدياً في الذهنية وفي البنية وفي الصلاحيات وفي البرنامج".

لكن قدري جميل لم يكن وحده من فتح النار على زميل له في الفريق الاقتصادي في حكومة النظام، فمعاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، د.حيان سلمان هو الآخر هاجم ميالة بصورة غير مباشرة، مطالباً بـ"ضبط السياسة النقدية والمالية، والإقلاع عن الأخطاء (بيع الدولار بالمزاد العلني وبيع المواطن السوري 10 آلاف دولار) وربط المستوردات بالأساسيات (تمويل الغذاء والدواء) وليس السلع الكمالية، وتشكيل لجنة لإدارة الأزمة...".

ويبدو أن سلمان أعجبته لعبة المزايدات بخصوص "القيمة الحقيقية للدولار" التي انتهجها قدري جميل منذ أشهر، رغم ما جلبته هذه اللعبة من انتقادات للرجل، فكان سلمان أكثر حدة بالمزايدة وحدد السعر الحقيقي للدولار بـ 70-80 ليرة سورية فقط، مطلقاً الوعود، في مهرجان بطرطوس للاحتفال بذكرى أداء رأس النظام للقسم الدستوري قبل 13 عاماً، بأن الدولار سيعود ليستقر عند هذا المستوى (70-80)، وأكد وجود بنك في جدة يقوم بالمضاربة على العملة السورية.

على صعيد متصل، ذكرت تقارير لوسائل إعلام محلية أن أغلب شركات الصرافة تمتنع عن بيع الدولار مستخدمين ذرائع مختلفة، وشكك متعاملون مع شركات صرافة بوجود رقابة على سوق الصرف وخاصة الشركات التي تُباع إليها شرائح القطع الأجنبي مؤخراً، فهذه الشركات لا تلتزم بالسعر المحدد لها، إذ يبدو أن السعر المعلن "يأتي للتداول الإعلامي والنفسي" فقط.

ورغم نجاح المركزي في خفض سعر صرف الدولار بعد تحليقه غير المسبوق أخيراً، فإن الانتقادات اللاذعة لاستراتيجيته القائمة على بيع الدولار لشركات صرافة محددة، كثُرت في أوساط وسائل إعلام محلية مقربة من النظام، وعلى لسان بعض مسؤولي النظام، ومنهم، قدري جميل وحيان سلمان.

دعوات قدري جميل للعودة إلى نمط الثمانينات واعتماد القبضة الحديدية في الاقتصاد والمال أيضاً، تتزايد مؤخراً، يُقابلها، كما يتضح، تراخٍ واضح من جانب أجهزة الأمن المختصة في ضبط شركات الصرافة التي تشتري الدولار من المركزي بسعر مخفّض بغية بيعه للمواطنين بسعر قريب منه، لكنها لا تفعل ذلك، وتبيعه فعلياً للمضاربين والمتلاعبين بسوق العملة داخل سوريا، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل، كيف يمكن لحكومة النظام أن تنجح في القبض على اقتصاد البلاد بقبضة حديدية على كل الصعد، التجارة والمال والاستيراد والتصدير وإدارة الأسواق، إن كانت عاجزة فعلياً عن ضبط بعض شركات الصرافة التي يتعامل معها المركزي بصورة مباشرة، والتي تشتري علناً من المركزي بحجة البيع للمواطنين بسعر مخفّض، لكنها لا تفعل...فهل المشكلة هنا في أجهزة الأمن؟، أم في شركات الصرافة؟، أم في كل الخلطة السحرية التي يُدار بها المشهد الاقتصادي والمالي في سوريا بصورة من العشوائية والتخبط، والفساد واضح المعالم، حتى في أحلك الظروف التي يعيشها المواطن السوري، جراء أزمة طال أمدها، وكثرت تداعياتها السلبية.

ترك تعليق

التعليق