مأساة "الإعلام الاقتصادي" بين الخوف من "العين" و"الواسطة" والسطوة المالية

إن كنت تعمل في مجال "الإعلام الاقتصادي" فإنك ستعاني من جملة قضايا ربما أبرزها تجنّب معظم رؤوس الأموال وروّاد الأعمال لوسائل الإعلام، ربما خشية من "العين"، إذ يصعُب أن تجد تفسيرات أخرى كفيلة بتبرير صعوبة إجراء حوار مع رجل أعمال أو مدير تنفيذي لشركة بارزة.

منذ أيام شهدت رام الله الفلسطينية مؤتمراً بحثياً وتحاورياً حول هذه القضية تحديداً، تحديات "الإعلام الاقتصادي"، تقاذف فيها الطرفان، القطاع الخاص من جانب، والإعلاميون الاقتصاديون من جانب آخر، الاتهامات حول من المسؤول عن تردي أداء "الإعلام الاقتصادي" في معظم الدول العربية.

تنطبق كل المشكلات التي ذُكرت في المؤتمر المذكور على الحالة السورية، يُضاف إليها مشكلات أخرى مرتبطة بخصوصية الوضع السوري الراهن.

إذ ينقسم رجال الأعمال السوريون بين ثلاثة شرائح:
الأولى: موالية للنظام، نجد جزءا كبيرا منهم يقدم تصريحات وافرة للصحف المسحوبة على السلطة بدمشق، وتحديداً منها المقرّبة من سدنةِ المال لدى آل الأسد وحلفائهم، ومن أبرز تلك الصحف، صحيفة الوطن المملوكة لـ رامي مخلوف، التي تنفرد عادةً بالكثير من الحصريات المسرّبة من مواقع مسؤولين، وتختص بحوارات ونقاشات مع شخصيات اقتصادية ومالية وتنفيذية بارزة.

وهكذا يبدو أن "الواسطة" تلعب دورها في أداء "الإعلام الاقتصادي" في الحيز الخاص بالنظام في سوريا، ويكون لعلاقات مالكي الجريدة أو ممولييها الدور الأبرز في حصد الحوارات واللقاءات والتسريبات.

الثانية: هي تلك التي تحاول أن تبقى على الحياد، وهي الشريحة الأكثر ابتعاداً عن الإعلام، فبقاء هذه الشريحة على الحياد يرجع بصورة رئيسية إلى رغبتها في الحفاظ على الحبال ممدودة مع الطرفين، المعارضة والنظام، حفاظاً على استثماراتها من أية تبعات لمواقف منحازة من جانبها.

وتعدّ هذه الشريحة الأكثر ابتعاداً عن الإعلام وتجنباً له، كي لا يتم احتسابها على أي طرف، خاصة أن وسائل الإعلام في معظمها مصنفة بين موالية للنظام، أو معارضة له.
ويبدو أن "العين" والخشية من الحسد، وتسليط الأضواء على ثروات هذه الشريحة، تجعل رموزها يحتاطون من التورط في أي نشاط إعلامي، مهما كان مفيداً لهم في مجال الأعمال والاستثمار.

الثالثة: هي شريحة رجال الأعمال الموالين للثورة، وتتركز هذه الشريحة بصورة رئيسية خارج سوريا، ومنها جزء كبير في دول الخليج. وهذه الشريحة تحديداً هي من يُثير تجنب معظم رموزها للإعلام الاستغراب، إذ لا نجد تفسيراً له إلا الخشية من "العين"، وتسليط الأضواء على ثروات ونجاحات تلك الشخصيات.

في مؤتمر رام الله للـ "الإعلام الاقتصادي"، اتهم القطاع الخاص الإعلاميين الاقتصاديين بأنهم عاجزون في معظمهم عن طرح أسئلة مفتوحة أو محرجة، ويندر أن يعتمدوا على أسئلة تخصصية.

ربما من الصعب إنكار صحة جانب من هذا الاتهام، إذ يندر أن يكون الناشط في مجال "الإعلام الاقتصادي" متخصصا في هذا المجال، الأمر الذي يجعل بعض التقارير الاقتصادية تفتقد للحرفية.

لكن هل يشكّل ذلك تبريراً كافياً لتمنّع معظم رجال الأعمال عن الظهور في نشاطات إعلامية؟

يتفق معظم الإعلاميين الاقتصاديين على صعوبة إجراء مقابلة مع رئيس تنفيذي لشركة كبرى، أو الحصول على معلومات اقتصادية دقيقة من مسؤول تنفيذي، ناهيك عن صعوبة إجراء حوار حول السيرة الذاتية لنجاحات أحد رجال الأعمال.

إلى جانب ما سبق، يذهب الكثير من الإعلاميين الاقتصاديين إلى تأكيد سطوة العلاقات المالية بين مُلاك الصحف والمواقع التي تُفرد صفحات للإعلام الاقتصادي، وبين رجال أعمال ورواد في الاستثمار، مما يجعل تناول أعمال هؤلاء بأية تحليلات نقدية مضبوطاً، وموجهاً بالصورة التي تخدم مصلحة مالك الوسيلة الإعلامية.

يبقى أن للإعلام الاقتصادي مشكلاته، لكن ذلك لا يلغي أهميته من ناحية تقديمه قراءة مبسطة للمواطن العادي حول تطورات المشهد الاقتصادي في بلده، إلى جانب أهميته في تناقل التجارب والنجاحات وتوسيع المدارك في مجال الأعمال، والتواصل المعرفي بين العاملين والمحترفين في هذا المجال، وتبعات ذلك في تطوير العمل الاستثماري لاحقاً.

ترك تعليق

التعليق