فرضيّة تدعمها التطورات الأخيرة.. إيران والأسد يتغذون مالياً بإرادةٍ غربيةٍ

الغرب ساعد إيران على تعزيز دعمها للأسد عبر اتفاق "جنيف" النووي.

إيران تموّل الأسد بمليار دولار شهرياً، حسب تقديرات.

17 مليار دولار قيمة مكاسب إيران المالية المُباشرة من اتفاق "جنيف".

الاتحاد الأوروبي فتح نافذة قانونية تُتيح للأسد الحصول على مئات الملايين من الدولارات.

يسعى الغرب اليوم، مُمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إلى تمتين قدرات إيران ونظام الأسد على الصعيد المالي، ولو بصورة غير مباشرة، بغية إطالة أمدّ الحرب "المذهبية" المُشتعلة على الساحة السورية، ومتابعة استنزاف القطبين السنّي والشيعي في كامل إقليم شرق المتوسط والخليج، مالياً وسياسياً واقتصادياً.

ما سبق يمثّل، بإيجاز، فرضيةً باتت سائدةً عند بعض المراقبين الذين زادت قناعاتهم مؤخراً بوجود "مؤامرة" غربية لصبّ المزيد من الزيت على لهيب الفتنة الشيعية –السنيّة المُشتعلة حالياً.

ومما عزّز من قناعات هذا الفريق، تطوران حصلا في الشهرين الأخيرين، الأول يتمثّل في اتفاق جنيف الخاص بالنووي الإيراني وتبعاته المالية التي تمثّل مساحةً لتنفس الصعداء من جانب طهران بعد 17 عاماً من العقوبات الدولية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة. أما التطور الثاني فتمثّل في إفراج الاتحاد الأوروبي عن بعض أرصدة الدولة السورية المجمّدة بحجة تمويل صفقات شراء أغذية ومساعدات إنسانية للشعب السوري، ليتضح لاحقاً بأن الأسد موّل آلته الحربية بجزء من تلك الأموال.

ويعتقد مؤيدو فرضية "المؤامرة الغربية لتعزيز الاقتتال السنّي –الشيعي" بأن الغرب أتاح فرصةً لإيران المُنهكة مالياً واقتصادياً، والتي بدى التذمّر على شارعها المُستاء من تبعات العقوبات الاقتصادية على معيشته المُتردية، لكي تتنفس الصُعداء، وتحصل على تمويلٍ يعيد ضخ الدماء في أوردة نشاطها الداعم لنظام الأسد ولباقي الميليشيات الشيعية التي تُقاتل إلى جانبها.

كما أن الغرب، حسب مؤيدي هذه الفرضية، يعمل على إعادة ضخ المال في أوردة نظام الأسد، ولو بصورة غير مباشرة، لتعزيز قدراته على الصمود والاستمرار في حربه المُدمرة ضد شعبه.

وإن كانت هذه الفرضية مُغرقة في نظرية "المؤامرة"، إلا أن انفتاح الغرب الأمريكي – الأوروبي، مالياً، على إيران ونظام الأسد، تِباعاً، عزّز من مخاوف هؤلاء، بأن "الأصدقاء" المُعلنين للشعب السوري، يعملون على طعنه في الخفاء، بدلاً من تضييق الخناق على أعدائه.

ويوضّح هؤلاء وجهة نظرهم عبر التذكير بوضع إيران المالي والاقتصادي المُتردي قبل اتفاق جنيف النووي الإيراني، فمنذ العام 2006 تصاعدت العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وباتت أكثر صرامة، وأخذت نتائجها تظهر بوضوح في نهايات ولاية الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الثانية، فهَوَت العملة الإيرانية المحلية، وتضاعفت معدلات التضخم، وتصاعدت نسب البطالة، وزاد التدهور في مجال المال والأعمال في إيران، وجاءت الحرب في سوريا لتُشكّل عبئاً مالياً على طهران، التي تموّل نظام الأسد بمليار دولار شهرياً، حسب بعض التقديرات، وهو الأمر الذي عزّز قدراته على الصمود مالياً، ناهيك عن تمويل نشاطات المليشيات الشيعية المتعاونة مع طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتمويل نشاطات الحرس الثوري الإيراني خارج الحدود.

كل ذلك فاقم من تذمر واستياء الشارع الإيراني، الذي تلمسه صانع القرار في طهران، ففسح المجال لحسن روحاني، الشخصية التي تُوصف بالمُعتدلة، والذي رتّب كامل برنامجه على أساس إعادة هيكلة السياسة الخارجية الإيرانية بما يخدم إعادة تنشيط الاقتصاد ورفع وطأة العقوبات عن كاهله، وتحسين أحوال المواطن الإيراني المعيشية. فكان نجاح روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أكبر تأكيد على صحة تقديرات صانع القرار الإيراني بأن المواطن العادي في بلده ضاق ذرعاً بتدهور معيشته لصالح أجندات خارجية.

ويعتقد مؤيدو فرضية "المؤامرة الغربية" بأن إيران قررت تغيير تكتيكها في التعامل مع الغرب، والتقط الأخير الإشارة بدّقة. فإيران لن تستغني عن الأسد ونفوذها في شرق المتوسط، وفي نفس الوقت هي باتت بحاجة ماسّة ومُلحة لتعزيز ملاءتها المالية لتمويل احتياجاتها الداخلية والخارجية. فساعدها الغرب عبر اتفاق جنيف النووي الإيراني، الذي بقي متعثراً لأكثر من عقدٍ من الزمان.

اتفاق جنيف النووي الإيراني، وما تضمنه من بنود تتعلّق بتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران، سيمكّن الأخيرة من الحصول على عائدات بنحو 1.5 مليار دولار من التجارة في الذهب والمعادن النفيسة، وتعليق بعض العقوبات على قطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران من البتروكيماويات. وبموجب الاتفاق، يتم السماح ببقاء مشتريات النفط الإيراني عند مستوياتها الحالية المخفضة بشكل كبير، وسيسمح بتحويل 4.2 مليار دولار من هذه المبيعات.

وتصل قيمة المزايا الممنوحة لإيران، إلى نحو سبعة مليارات دولار حسب متابعين للاتفاق. ناهيك عن إفراج الولايات المتحدة الأمركية عن 10 مليارات دولار من الأُصول الإيرانية المُجمدة، بُعيد الاتفاق، مما يجعل مكاسب إيران المالية المباشرة تتجاوز 17 مليار دولار.

على المقلب الآخر، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يقوم بدور موازٍ للدور الأمريكي، لكن هذه المرة مع نظام الأسد، فالاتحاد قرر فتح نافذة قانونية جديدة، تُتيح للأسد الحصول على الأموال الحكومية المجمّدة في دول الاتحاد، والتي تُقدّر بمئات ملايين الدولارات، حسب صحيفة (الصانداي تايمز) البريطانية التي تحدثت عن أن بشار الأسد وأعوانه تمكنوا من الإفراج عن أموالهم، وتسنى ذلك بسبب ثغرة في قوانين الاتحاد، تسمح بالإفراج عن الأموال المجمدة من أجل شراء مواد إغاثة للمواطنين السوريين، إلا أن نظام الأسد بحسب الصحيفة استخدم هذه الأموال لتمويل وشراء الأغذية لقواته المسلحة.

ومنذ يومين اتفق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على تعديل العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا, لدعم جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإتلاف الكيماوي السوري، ومساعدة الأمم المتحدة في إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، إضافة إلى السماح بتنفيذ عمليات الدفع مقابل توريدات المواد الطبية والأغذية وسلع أخرى يحتاجها السوريين.

التعديل يعزّز، حسب مُراقبين، من قدرات الأسد على تمويل حربه ضد شعبه، بالاعتماد على أموال الدولة السورية المجمدة في البنوك الأوروبية. الأمر الذي يعزّز من قناعات القائلين بفرضية "المؤامرة الغربية".

وفي الختام، لا يمكن الجزم بصحة قراءات مؤيدي تلك الفرضية، لكن ما بات واضحاً للعيان، بأن الغرب بجناحيه الأمريكي –الأوروبي، بات أقرب، من أي وقتٍ مضى، من فكرة الانفتاح على المحور السوري –الإيراني، على حساب معارضة الأسد، التي تتعرض للتضييق في توريد السلاح والتمويل، وهجمة إعلامية غربية تُعمم عليها حالة التطرف، وتتهم داعميها، وعلى رأسهم تركيا، بدعم "الإرهابيين"، في مؤشرٍ خطيرٍ قد يُطيح بتضحيات السوريين خلال أكثر من سنتين ونيف ضد طغيان طغمة الأسد وحلفائه الإقليميين والدوليين.

ترك تعليق

التعليق