منذ مطلع الثمانينات (المتعلم الجاهل) في التوجهات البعثية: 1000 براءة اختراع في نصف قرن!

أقل من ألف براءة اختراع فقط سجلت في سوريا خلال أكثر من نصف قرن...قد يبدو هذا الخبر مفاجئاً للكثيرين ولكنها الحقيقة في نظام طالما ادعى تشجيع الفكر والابتكار، ولكن على الورق ووراء شاشات قنواته الإعلامية فحسب، أما على أرض الواقع فـ "المتعلم هو الجاهل".

مع بداية استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي وصدور المرسوم التشريعي رقم/ 47 / تاريخ/ 9 / تشرين الأول عام/ 1946/ الخاص بتنظيم الملكية التجارية والصناعية الذي سُّجل بموجبه في 29 / 2 /1946 اختراع الثور الآلي للسيد "سليمان الحلو"، تتالى تسجيل الاختراعات ببطء شديد، ومنذ عام / 1945/حتى عام /1996 / بلغ عدد الاختراعات المسجلة في سورية / 7000/ اختراع، أي خلال أكثر من خمسين عاماً تم تسجيل هذا العدد، والمفاجأة المؤسفة للذين لا يتوقعون المفاجآت أن هذا العدد ليس للسوريين فيه أكثر من /1000 / براءة اختراع فقط و70 % من هذه البراءات مُنحت خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين يزداد عدد الاختراعات اليوم في العالم بمعدل مليون اختراع سنويا، لا شك أن من بينها العديد من الاختراعات التي تعود إلى مخترعين عرب أو مغتربين من أصل عربي والكثير منهم سوريون، فما العبرة من ذلك، وماذا يعني هذا الأمر؟

صدرت في سوريا عدة تشريعات وقوانين لحماية الملكية التجارية والصناعية قبل وبعد انضمامها إلى اتفاقية باريس عام 1924 وكان هدفها حماية المخترع وحماية المنتج من تقليد اختراعه وإنتاجه داخل القطر وخارجه، ويعتبر قرار المفوض السامي رقم 2385 الصادر بتاريخ 17 كانون الثاني عام 1924 بشأن تنظيم حماية الملكية التجارية والصناعية والفنية والأدبية والموسيقية في سوريا ولبنان أول خطوة على طريق حماية الاختراعات في سوريا، وهي خطوة هامة على الرغم من أنها أتت متأخرة قرابة ثلاثين عاما عن تاريخ ولادة أول اتفاقية عالمية لحماية الملكية الصناعية، وهي اتفاقية باريس التي تم إبرامها عام 1883.

  • الإختراعات السورية غير محمية!

قلّص التوسع في تسجيل براءات الاختراع للمواطنين السوريين براءات الاختراع الأجنبية كما يقول الباحث الدكتور طاهر رجب قدار لـ "اقتصاد"، لأنه من المعروف أن أية براءة اختراع أجنبية تُسّجل في سوريا يمنع على السوريين تسجيل أخرى تماثلها، ولا يحق لهم في هذه الحال الاستفادة منها أو استثمارها إلا بإذن من صاحبها. النقطة الثانية المهمة التي ينبغي إثارتها -كما يضيف قدار- هي تأخر سوريا في الانضمام إلى منظمة wipo وهي منظمة حماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية والتجارية العالمية، وهذا التأخر أربك أولا المخترعين، وأفقد اختراعاتهم الحماية الدولية اللازمة، لأن البراءة السورية في ظل عدم انضمام سوريا إلى (الوايبو) غير محمية، وغير معترف بها إلا في سوريا، وينبغي على المخترع السوري للحصول على هذه الحماية الدولية تسجيل شهادة اختراعه في المكتب الأوربي أو الإفريقي للاختراعات، وهو ما يعني نحو مليون ليرة سورية من النفقات، في حين لا يتعدى الأمر/40/ ألف ليرة سورية من النفقات لو أن سوريا عضو في منظمة (الوايبو) التي تصبح براءة المخترع فيها لأي مواطن محمية في أكثر من /100/ بلد في العالم.

 ويُذكر في هذا السياق أن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) قد منحت ثلاثة من جوائزها لمخترعين سوريون عام 1994 وهي جائزة أفضل اختراع وجائزة أفضل مخترع وجائزة أفضل مخترعة، تقديراً لاختراعاتهم، وتشجيعا على تطوير النشاط الابتكاري في سوريا.

  • ضعف ثقافة الاختراع

في هذا السياق، تحدثت "اقتصاد" مع المهندسة "فكرات المهدي" ابنة حمص التي تحمل شهادة الماجستيرفي الهندسة الإنشائية الزلزالية من جامعة حلب، وحصلت على جائزة الوايبو لأفضل مخترعة أثناء مشاركتها في معرض حمص الأول للاختراع والتكنولوجيا 2010 وهذا التفوق العلمي أهلّها للمشاركة في مسابقة معرض كيوي 2010 في سيؤول –كوريا الجنوبية حيث نالت الميدالية الذهبية وحصدت جائزة خاصة من أصل ثلاث جوائز قدمتها مديرية حماية الملكية الصناعية في جمهورية مقدونيا لمشاركين في المعرض.

وحول رأيها بواقع الاختراع في سوريا تقول المهدي لـ"اقتصاد":

للأسف هناك ضعف في ثقافة الاختراع في بلادنا العربية بشكل عام، كما أن الفهم الخاطئ للمخترع والاختراع ساهم بقلة التوجه للاختراع، وضعف ثقافة الاختراع في بلدنا وفي الأقطار العربية عموماً أدى لتراجع عدد الاختراعات، فبينما احتفلت كوريا الجنوبية العام الماضي بالوصول إلى مليون اختراع، لا نزال في سوريا لم نتجاوز الألف اختراع فقط خلال عشرات السنين الكثير منها لشركات أجنبية، ونحن أفضل حالاً من الكثير من البلاد العربية الأخرى. وشعبنا ليس أقل فهماً أو مستوى من شعب كوريا الجنوبية، إلا أن ضعف هذه الثقافة بين أفراد شعبنا أدى لهذا التراجع، فمثلاً يعتقد الكثيرون أن المخترع هو إنسان خارق للطبيعة وأن الاختراع عملية إبداعية تتعلق بمكونات المرء وفي هذا تهويل كبير، فمع عدم نسيان الناحية الإبداعية لا يمكن أن ننكر أن كثيراً من مشاريع تخرج طلاب الجامعات أو رسائل الماجستير والدكتوراه يمكن أن تتحول لاختراعات هامة، ولا نستطيع أن ننكر تجربة الأستاذ نزار فريسان رئيس فريق علم الاختراع والتطوير الذي أقام الكثير من الدورات لطلاب الجامعات الذين كانوا بداية لا يعلمون شيئا عن الاختراع وفي نهاية الدورة استطاع الكثير منهم الحصول على براءات اختراع محلية وعالمية.

  • نحن لا نتقن صناعة الأفكار!

ولكن كيف يمكن أن تكون الملكية الفكرية وحماية الاختراع جزءاً من حياتنا اليومية، تقول المخترعة فكرات المهدي مجيبة عن هذا السؤال: للأسف هناك مفاهيم خاطئة حول الملكية الفكرية في مجتمعنا فمن الشائع أن الملكية الفكرية تقتصر على حقوق المؤلف الأدبية في مجال الشعر والقصة، وفي ميادين إبداعية أخرى كالموسيقا والمسرح والسينما، ومع ذلك فحقوق هؤلاء المبدعين لا تزال منتهكة من خلال قرصنة أعمالهم عبر عمليات النسخ غير المشروعة أو شراء نسخ غير أصلية من المنتج الإبداعي، أما في الدول الغربية فإننا نجد الملكية الفكرية محفوظة في العلامة التجارية وفي الاختراعات البسيطة كالدبوس وشفرة الحلاقة وكذلك المعقدة كالسيارات وأجهزة الكمبيوتر وفي الرسوم والنماذج الصناعية كتصميم فريد لسجادة -مثلاً– وفي البيانات الجغرافية.

 وتضيف المهدي: للأسف أيضاً نحن نستهلك الفكرة والصناعة والغرب يتقن صناعة الأفكار ولذلك حمى أفكاره ببراءات الاختراع وصنعها في بلدان شرق آسيا، أما بلداننا العربية فهي مجرد مستهلكة، وإذا كنا لا نستطيع تنفيذ اختراعاتنا بسبب صعوبات تكنولوجية فما الذي يمنعنا من حماية هذه الإختراعات، فكرّ ثم احمِ فكرتك واستثمرها فيما بعد كيفما تشاء وأضربُ هنا مثلاً واقعياً طبيب الأسنان السوري "محمد عماد الدروبي" الذي ابتكر طريقة جديدة في مجال زراعة الأسنان وحماها ببراءة اختراع عالمية وصنع أدواته في كوريا الجنوبية وانتشرت في معظم دول العالم على أنها "طريقة دروبي" وأصبح اختراعه مورداً مالياً رئيسياً له، وكذلك الطبيب البيطري السوري "أحمد غانم رسلان" الذي فكّر بتصنيع المصاعد الكهربائية وكانت هذه الصناعة محتكرة للإيطاليين وحمى أفكاره ببراءة اختراع أيضاً ثم أسس شركة ناجحة سماها (شركة راسكو للمصاعد الكهربائية) التي استطاعت أن تؤمن قسماً كبيراً من حاجة القطر إلى المصاعد الكهربائية وأن تكسر حالة الاحتكار التي كانت تقوم بها الشركات الإيطالية.

وفي تفسيرها لمحاولات وأد الفكر والإبداع لدى أبناء الشعب كافة من قبل النظام تروي القسيسة "دعد معماري" قصة حقيقية حصلت معها أوائل الثمانينات عندما كانت تدرس اللغة الإنكليزية في إحدى مدارس ريف حمص فزارها موجه مبتعث من وزارة التربية في إحدى حصصها الدراسية وبعد أن أبدى إعجابه باجتهاد طلابها وانضباطهم واستيعابهم الجيد وحسن تعلمهم للغة، أخذها إلى قاعة فارغة وقال لها: أنت تخالفين الخطة و"التوجهات البعثية"، فالتوجه هو "المتعلم الجاهل"، وخاصة في اللغة الإنكليزية.

ترك تعليق

التعليق