ملاحظات اقتصادية...في المناطق المحررة

تأتي نظرية الأجور كأحد الأسباب التي يضعها علماء الاقتصاد لتفسير الارتفاع الحاصل في المستوى العام للأسعار (التضخم)، فيؤكدون أن مطالبة العمال بمزيد من الأجر هو ما يجعل الأسعار ترتفع من جديد، على اعتبار أن الأجر أحد أهم مكونات التكلفة.

مع مرور ما يقارب الأربع سنوات على الثورة السورية، ارتفعت الأسعار بشكل كبير. أسعار مختلف السلع ارتفعت: المحروقات، الخبز، الخضار، اللحوم، السلع الصناعية...وغيرها.

المفاجأة هي أن أسعار الخدمات التي تعتمد على عمل بشري بحت بقيت شبه ثابتة، ولم أعتمد في ملاحظتي هذه على عينات إحصائية، بل على ملاحظات من مناطق مختلفة من سوريا، -وكلاهما أسلوب علمي في البحث-. أسعار الخدمة التي تعتمد على عمل بشري ارتفعت بنسبة ضئيلة وأحياناً بقيت ثابتة!، وهو أمر غريب حقيقةً في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة بشكل مخيف.

هذا الثبات لأسعار العمل البشري، يدل على أحد أمرين بنظري، الأمر الأول قد يكون بسبب ارتفاع مستوى البطالة بشكل كبير، مما جعل التنافس بين القوى البشرية الراغبة بالعمل يدفع بالأسعار نحو الثبات أو الارتفاع بمستويات قريبة من الثبات، وبالتالي يكون ارتفاع الأسعار العام متمثلاً في ارتفاع أسعار السلع التي تحتوي على قيم مطلوبة، أو مواد نادرة. أي أن الارتفاع أتى بناءً على ندرة المادة وقيمتها وليس بناءً على ارتفاع كلفة الأجور ضمن الكلفة الكلية. وما لا يشجعني على التسليم بهذا التفسير هو ضعف عرض القوى العاملة في مختلف المناطق المُلاحظة.

التفسير الآخر للمسألة هو القصور في النظر إلى قيمة العمل البشري، وعدم الارتقاء حتى هذه اللحظة لمستوى احترام الجهد المبذول من قبل هؤلاء العمال، وبالتالي وجود فجوة بين قيمة العمل المقدر من قبل العنصر البشري والنظرة الموجهة لهذا العمل والمترجمة بالمقابل المادي المدفوع، مما يدل على أننا لا نزال في مراحل بعيدة عن التقييم الحقيقي والتقدير الإنساني العادل.

بكل تأكيد لست مدفوعاً في هذه النظرة برؤية اشتراكية تبالغ في تقدير العمل، ولا برؤية رأسمالية تهمش عنصر العمل، ولكن بنظرة "عدالة اجتماعية – اقتصادية"، تعطي مؤشراً على نضوج المناطق محل المُلاحظة، وتقدم معلماً على أن الطريق أمام دعاة العدالة والمساواة لا يزال طويلاً، وأنه لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهد.

ترك تعليق

التعليق