الخزانة الأمريكية وضوء جديد على دور أديب ميالة

في قرار استثنائي وذي مدلولات مهمة، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الاثنين 25/11/2015، عقوبات تمثلت بتجميد أموال ومنع التعامل مع أربع شخصيات وست هيئات سورية وروسية وقبرصية، بتهمة تشكيل شبكة تقوم على تسهيل عملية شراء النفط من منشآت يُسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية". وإذا كان اسم حاكم مصرف سورية المركزي، (أديب ميالة)، قد وضع في مرحلة سابقة ومتقدمة على قائمة العقوبات التي تُصدرها الوزارة، (تموز/2012)، فإن اسمه لمع مجدداً في هذا القرار نظراً لشموله لشخصية واحدة على الأقل من الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة المحيطة به، والتي يمارس فيها وعبرها (ميالة)، نشاطات لا تمت بصلة، لطبيعة وظيفته ومسؤولياته كحاكم لمصرف سورية المركزي.

لقد شملت العقوبات رجل الأعمال السوري، روسي الجنسية، (مدلل خوري)، وهو من الأشخاص المقربين على ما يبدو من حاكم مصرف سورية المركزي، (أديب ميالة)؛ حيث تبيّن لوزارة الخزانة الأمريكية قيام (مدلل خوري)، الذي يملك مصرفاً تمت معاقبته في القرار نفسه، بتمثيل كلٍ من (أديب ميالة)، وموظفته (بتول رضا)، والموضوعة بدورها في قائمة العقوبات الأمريكية سابقاً (آذار/2015)، في أنشطة مالية وتجارية داعمة للحكومة السورية التابعة لبشار الأسد ومصرف سورية المركزي الموضوع في قائمة العقوبات الأمريكية أيضاً، وكذلك في أنشطة أخرى مريبة تمثلت إحداها بقيام (مدلل خوري) بتمثيل (بتول رضا) في صفقة شراء مادة (نترات الأمونيا) من روسيا.

نعرف جميعاً كيف قفز بشار الأسد إلى سدة الرئاسة بعد وفاة والده دون أية تجارب حقيقية وخبرة تراكمية سابقة، إلا أن الملاحظ أيضاً هو أن الكثير من أركان حكمه تمتعوا بميزة القفز نفسها على ما يبدو.

 فأديب ميالة المتهم بعدم الأمانة في أداء عمله في السفارة الفرنسية، والمدير المبتدئ لمعهد الإدارة العامة، وجد فرصة القفز إلى أعلى وأهم منصب ومسؤولية اقتصادية ونقدية في البلاد، بدون أية تجارب وخبرة متأصلة.

فبعد أزمة في تحديد معدلات الفائدة في بداية عام /2005/، وبعض المشكلات الاعتيادية في أية مرحلة انتقال وانفتاح اقتصادية، طُلبَ من حاكم مصرف سورية المركزي، الدكتور (محمد بشار كبَّارة)، تقديم استقالته من قِبل رئيس الوزراء آنئذٍ (ناجي عطري)، وعلى الرغم من أن (كبَّارة) هو من قدم خطةً واسعة وجدية للإصلاح المصرفي في سورية في عام /2004/، وانطلق بها بصورة جدية ليكون أول من افتتح مصرفاً خاصاً في سورية منذ عام /1963/، قفز (أديب ميالة) كحاكم جديد، رغم ضعف سيرته الذاتية وعدم ملاءمتها للمنصب، وأُقحم اسمه بإجراءات الانفتاح الاقتصادي في مجالي المصارف والصرافة، حيث شهدت سوريا في عام /2006/ بداية حركة استثمارية نشطة في هذين المجالين، وانطلقت العديد من المصارف الخاصة وشركات الصرافة المرخصة في السوق السورية.

وعلى الرغم من ارتكابه أخطاء كثيرة في قراراته وإجراءات أشرف على تنفيذها، وبروز حالة من عدم الانسجام وأحياناً التضاد بينه وبين الفريق الاقتصادي الحكومي، ظل (أديب ميالة) خطاً أحمر وشخصاً تبين أنه لن يتم التخلي عنه، في ظل علاقته الوطيدة بأخطبوط الاقتصاد السوري (رامي مخلوف).

وإذا ما كانت المرحلة التي سبقت أحداث آذار/2011 قد حرمتنا من معرفة المسببات الحقيقية للاحتفاظ به، فإن كل ما قام به بعد ذلك أشار بوضوح إلى دور هذا الرجل في إطار سعي النظام لتجنيد كل أدوات ومؤسسات الدولة للوقوف بقوة في وجه المطالب الشعبية، فغدا مصرف سورية المركزي ودوره جزءً لا يتجزأ من ذلك السعي، وبصورة أدت إلى تدعيم أركان نخبته والموالين له من فئات التجار والصناعيين على حساب الدور الأساسي للمصرف المركزي بتمثيل مصلحة مؤسسات الدولة ومساعدة مواطنيها في تجاوز الآثار المعيشية القاسية التي عصفت بالبلاد، نتيجة لجوء النظام إلى الحلول الأمنية والعسكرية في مواجهة الحراك الشعبي الذي استهدف إسقاطه، حيث تخلى (ميالة) عن الدور الحقيقي الذي كان يجب أن يلعبه مصرف سورية المركزي في دعم المواطن في مواجهة التضخم الحاصل نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة.

وقد عجز (ميالة) عن تأمين أدوات نقدية شرعية حقيقية وفاعلة في الحفاظ على سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، حيث أخذ باللجوء إلى الأجهزة الأمنية في مكافحة السوق السوداء وإقامة المزادات الوهمية للدولار والتي كان يتحصل على الملايين المعروضة فيها رجالات مقربة من النظام بصورة غير مباشرة، وكذلك دأب (ميالة) في الخروج على وسائل الإعلام مهدداً ومنذراً من يتلاعب بأسعار الصرف بطريقة قروسطية؛ بينما عمل على تأمين استفادة فئة معينة من التسهيلات الائتمانية والعطاءات الحكومية واستنزاف الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي في خدمة الآلة العسكرية للنظام، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع سعر صرف الدولار ثمانية أضعاف ما كان عليه في آذار/2011.
 
وخلال مراحل فشله الذريع هذا أشرف (أديب ميالة) على خطة مبرمجة في تحميل المواطن العادي أعباء انخفاض سعر صرف الليرة السورية، وذلك عبر الضغط على قدرته الشرائية نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية لمتوسط دخوله، وبنفس الوقت كان قد منح التسهيلات الائتمانية التي قدمتها الدول المتحالفة مع الصين إلى الفئة المقربة من النظام.

 وفي وضع اتسم بالفوضى وعدم وجود جهاز رقابة فعال، تمكن محتكرو التجارة في ظل النظام من رفع مستوى أسعار الكثير من المواد عشرة أضعاف مقارنة بما كانت عليه قبل آذار/2011، لتزداد محنة المواطنين المعيشية.

وعلى ما يبدو فإن (أديب ميالة) كان رجل النظام في الكثير من العلاقات الخارجية، لإنشاء وتحقيق مصالح مالية ترتبط بنشاطات غير مشروعة، متستراً بوظيفته الحكومية التي فشل في تأديتها كما يجب، وتشير المعلومات المتعلقة بكادره الذي ربى جزءً منه في معهد الإدارة العامة عندما كان مديراً له، بتكليفهم بمهام خارجية تقع في السياق نفسه ليتحول مصرف سورية المركزي العريق إلى مجموعة "مافياوية" حقيقية تدار من قبل الأجهزة الأمنية وعرَّاب الاقتصاد السوري (رامي مخلوف)، الأمر الذي سوف ينعكس كشفه سلباً وبصورة حادة في الأيام القادمة، في حال توالت المعلومات المتعلقة بهذا الفريق.

ترك تعليق

التعليق