حين نشتم الشعوب الأخرى

يجهز بجانبه فنجان قهوته، ويرتب جلسته، ويفتح جهازه ليبدأ بتصفح آخر الأخبار عبر الصفحات التي تشده عادةً في "فيسبوك"، ولأنه سوريّ، يقرأ العديد من الأخبار المؤلمة، يومياً، لكن أشد ما يمكن أن يستفزه تلك الأخبار عن مواقف حكومات ودول فرضت قرارات جديدة للتضييق على السوريين، الذين لم يعد لديهم باب يطرقونه.

يقرأ خبراً عن قرار حكومة بلد ما، يضيّق على السوريين.. هذا البلد مجاور لسوريا ويضم مئات آلاف اللاجئين السوريين.. فيستلّ سيف لسانه السليط ويبدأ بشتم شعب تلك الدولة، وحكومته، ويكيل لهما ما لديه من الشتائم والسباب، ويصادف أن هناك مئات مثله من السوريين المستائين، يشاركونه في جوقة شتم شعب تلك الدولة وحكومتها، ويصادف أن يكون بينهم، عدد من أبناء تلك الدولة، يتابع الخبر، وتعليقات السوريين عليه، التي تضم كماً هائلاً من الإهانات لشعب تلك الدولة.

لم يكلف السوريّ الذي قرأ الخبر، وبجواره فنجان قهوة الصباح، ومثله مئات وربما آلاف من السوريين، لم يكلفوا خواطرهم أن يتذكروا أن هناك مئات آلاف السوريين اللاجئين في ذلك البلد، ويحتضنهم شعب ذلك البلد، الذي تعني الإساءة إليه، الإساءة للسوريين القاطنين في ذلك البلد، وتحريض شعب ذلك البلد على السوريين، مما يعني المزيد من التضييق والإضرار بالسوريين.

ذلك السوريّ الذي استفزه خبر التضييق على السوريين، ساهم برفع مستويات هذا التضييق، حينما نقله من المستوى الحكومي إلى المستوى الشعبي، ونحن كسوريين، من المفترض أن نكون أكثر من يعلم الفرق بين سياسات الحكومات ومواقف الشعوب.

كارثة التعميم التي تشكل جزءاً ثابتاً من وعينا، ما تزال تسيطر على طريقة تفكيرنا، فحينما يسيء لنا ابن حيّ ما، فالحيّ بأكمله، "ملعون"، وحينما يُحسن إلينا ابن بلدٍ ما، فالبلد بأكمله "كريم".

ورغم كل ما عانيناه ومررنا فيه كسوريين، ورغم كل تجاربنا التي تعددت في بلدان، وبين شعوب عدة، لم نتعلم بعد أن التعميم خطأ، وأن بين كل شعب، المُحسن والمُسيء، وفي أوساط كل أُمة، الحسن والقبيح.

ينسى السوريون حينما يشتمون شعوب دول أخرى، لأنهم استُفزوا من حكوماتها، أن بين تلك الشعوب من احتضن، وما يزال، سوريين، وبينهم من أساء لهم بالطبع.. وينسون أيضاً، أن تلك الشعوب ما تزال تضم بين جنباتها مئات آلاف السوريين وأن عليهم أن يكونوا حريصين عليهم، عبر عدم الإساءة لشعوب تحتضنهم، لأن هذه الإساءة ستنقلب عليهم، حينما يقرأ أبناء ذلك البلد الإساءات إليهم من السوريين، ويعتمدون طريقة التفكير ذاتها التي يعتمدها السوريون، التعميم، فيظنون أن كل السوريين يكرهونهم ويُسيئون لهم، وهكذا، ينقلب الأمر وبالاً على المقيمين في ذلك البلد من السوريين، حينما تتفشى تلك القناعة بين أبنائه.

بطبيعة الحال، نعلم جميعاً أن "فيسبوك" ساحة للفضفضة، ولكي يتكلم الشخص بما يريد، أو بما يفكر، حسب ما يُوحيه له ذلك الموقع، لكننا ننسى أن هناك من يقرأ ما نكتب، وما نفكر به، خاصة حينما نشاركه في صفحات تحظى بمتابعة كبيرة، فتكون النتيجة، تعميم القناعات السلبية بين الشعوب، حينما يسيء بعض أبنائها لبعضهم الآخر، دون أدنى قدر من المسؤولية.

في حالتنا كسوريين، ومع حجم التضييق الذي نواجهه في هذا العالم، يتطلب الأمر منا قدراً مضاعفاً من المسؤولية والحكمة في أن نضبط ما نكتبه ونقوله، حتى لو على "فيسبوك"، بصورة تضمن لنا الحد الأدنى المُتبقي من التعاطف بين شعوب العالم، القريبة منا أو تلك البعيدة.

نقول ما سبق تعليقاً على مقال نُشر مؤخراً في "اقتصاد"، حول رؤية تخيلية مفادها أن تقوم دولة عربية محددة برفع الفيزا عن السوريين، فكان تفاعل القراء حيال المقال، في جُلّه، عبارة عن جوقة شتم وسبّ لحكومة هذه الدولة ولشعبها، الذي يحتضن مئات آلاف السوريين!

ترك تعليق

التعليق

  • 2016-03-08
    مقالة جيدة. فلنأمل أن تكون لها عيون قارئة وآذان صاغية كثيرة