ماذا يفعل "معتوه الباب" من وراء "معتوه القرداحة"؟

بعد أن دخل مجلس الشعب، يكون هذا المجلس قد ضم لأول مرة منذ تأسيسه في عام /1971/، رجلاً بقوته، عن مدينة حلب، هو (فارس الشهابي)، الذي بدا واضحاً عملية إعداده لمهمة ربما تكون أكبر مما كنا نتوقعه.

فبعد أن حقق "فارس" كل الشروط الذاتية والموضوعية ليكون "فارس بشار الأسد" في حلب، وأبلى في ذلك النسب الإجرامي، البلاء الحسن وفق مقاييس سهلة- ممتنعة يعتمدها النظام، فإن مرحلة جديدة – على ما يبدو-قد تم إطلاقها لفارس من قبل سادة الكواليس والآباء الأحرار، ليكون "فارس" شيئاً آخر مختلف عن السابق، مانحاً لهؤلاء خياراً ربما يصل في ظل ظروف معينة إلى ما يشبه (البديل) ولو جزئياً لبشار الأسد ذاته.

الموضوع قد يبدو، بل من الطبيعي أن يبدو تضخيماً لشأن هذا المراهق ذو اللسان السليط والتاريخ الحافل بالفشل، والذي وجد في الأزمة ضالته ليركب موجة ما كان ليحلم أن يعتليها، شأنه في ذلك شأن العديد من الانتهازيين الذين ابتليت سوريا بهم خلال السنوات الخمسة الماضية، سواء في طرف النظام أو في طرف المعارضة، إلا أن معلومات من مقربين توضح فعلاً، أن خطةً ما يتم دفع "فارس الشهابي" لتنفيذها، وأن هذه الخطة وصلت إلى مرحلة متقدمة وخطيرة بنفس الوقت.

ففارس الشهابي، الضحل ثقافياً، ما زال يتغنى في مجالسه بمجد العائلة الشهابية، خالطاً بين مسمى عائلته والأسرة الشهابية في لبنان، والتي رسمت أول حدود مهمة لحاكم "سني" و"ماسوني" داخل الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، والتي بلغت ذروة قوتها في زمن (بشير الثاني الكبير) الذي تمكن من إقامة علاقات مهمة إقليمية (مع مصر) ودولية (مع فرنسا)، قبل أن يهرب إلى "مالطة" عشية سقوط دولة (محمد علي باشا) في سوريا.

وإذا ما كانت الأسرة الشهابية قد تحولت إلى (المارونية السياسية) وفقدت ريادتها الماسونية عندما وجد المحفل ضالته بالقائد الجزائري (عبد القادر الجزائري) عند لجوئه إلى (دمشق)، فإن "فارس" يحلم على ما يبدو بأن يعيد مجد ذاك الزعيم الذي يتغنى به، ليكون بالتالي الوريث القاصر الثاني في تاريخ سوريا.

وبعيداً عن ضحالة "فارس" الثقافية، ومحاولته تقديم أوراق ولائه بكل الوسائل المتاحة بما فيها الكذب الأشر والمبتذل، فإن مقربين منه يؤكدون تمكنه في الحقيقة لا الخيال من إقامة أواصر قوية مع رجالات في الساحل، ولا سيما أولئك الذين لهم كلمة مسموعة في الطائفة العلوية، ويقومون بتسويقه بين صفوف الموالين للنظام كشخص يُعتمد عليه في ملمات قد تعصف بهم، كما أنه يصر على الخروج ضمن ديكورات متنوعة من الوجوه المسيحية في حلب وغيرها، سواء على مستوى علاقاته الاجتماعية أو المالية، شريطة أن يكون هؤلاء ضمن حدود سيطرته وسطوته، مروراً بتركيزه على علاقات إيجابية ذات بعد إقليمي ودولي، كالتي يهيئها له بعض المتنفذين الأرمن، مع روسيا.

وقد أفاد مقربون أنه قد تم وضع نموذج (أحمد شفيق) في مصر أمام نصب عيني "فارس الشهابي"، ليتلافى أخطاءه وصولاً ليكون (أحمد شفيق) سوريا الناجح عندما تستدعي الضرورة، ولكي يتمكن من ذلك، فإنه لابد أن يكون قريباً من النظام ومواقفه وبشراسة مقصودة في محاولة حثيثة لاستقطاب جماهيرية واسعة في ميدان بشار الأسد.

كما أن قوته المالية الكبيرة والسيولة الحاضرة التي يتمتع بها، أوصلته على ما يبدو، وفي الخفاء، إلى أطراف معارضة، أدت إلى حماية ممتلكاته الاقتصادية في مناطق سيطرة المعارضة ذاتها، بل وتسيير أمورها أيضاً، كما هو الحال مثلاً لمعامل شركة (ألفا) الدوائية التي يملكها، وذلك على عكس بعض رجال الأعمال الحلبيين وفي المجال نفسه، بالرغم من أنهم لم يكونوا على خط النظام، على الأقل بالطريقة والابتذال والشراسة التي يتمتع بها "فارس".

وعلى مستوىً أعلى، فإنه يبدي لهجة أقل حدة فيما يتعلق بمدينته (الباب)، والتي من المعروف أن عائلة الشهابي فيها قد بايعت الدولة الإسلامية، تلك المدينة التي تشكل أحد أهم المناطق الاستراتيجية في ريف حلب.

أما ثقله الحقيقي فهو حتماً ضمن الأوساط المسلحة في حلب، فهو داعم باذخ لمليشيات اللجان الشعبية، ويجتمع وقتما يريد مع قيادات الجيش والأمن، وتربطه ببعضهم علاقات تمتد إلى أعلى الرتب العسكرية وأركان الجيش في دمشق والساحل.

وإذا ما كان "فارس" قد دخل فعلاً في مرحلة تنفيذ النموذج الهدف، فإن مظاهر التمجيد له قد غدت علنية وطبيعية ضمن أوساط المؤيدين للنظام، كما أن الاجتماعات التي يحضرها تحاط بمراسم أمنية وإعلامية مماثلة للأعراف الرسمية، سواء من حيث الحضور أو التغطية أو التأمين.

وعلى الرغم من أن "سنيته" ربما تعتبر سلاحاً ذو حدين، كما كانت "سنية" نموذجه التاريخي الخيالي (بشير الكبير)، إلا أنه غدا متمكناً على ما يبدو من منافذ ومكامن القوة التي يُتوقع أن تهيئه، في ظل ظروف داخلية وإقليمية ودولية معينة، من النجاح في نموذجه الواقعي المُخطط (أحمد شفيق)، والذي يُتوقع أن يمهد له بقوة في خطوة قد تتمثل بتعيينه رئيساً للوزراء، وذلك في وقت يقارب انتهاء صلاحية (معتوه القرداحة) الذي يشعر "فارس" أنه غدا قريباً؛ شعور جعل من (معتوه الباب) البريئة منه، يرفع السلاح على شاشة الإعلام مهدداً ومُخوِّناً، في مشهد يدلل على ضرورة أن نفكر جدياً في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، وضرورة أن تكون هذه المعالجة مسؤولية جماعية كسوريين، وبغض النظر عن مواقفنا السياسية.

ترك تعليق

التعليق