الدولار.. مالئ الدنيا وشاغل الناس


فرحة عارمة يعيشها أنصار النظام هذه الأيام في أعقاب النصر الكبير الذي حققه المصرف المركزي بتخفض سعر الصرف إلى مستويات غير متوقعة، قلب من خلالها الموازين رأساً على عقب..

 حتى الحكومة التي كانت في الفترة الماضية متهمة بطولها وعرضها، استفادت من هذا الانتصار وأصبحت مقبولة ويمكن الاستمرار بها.. على الرغم من أن المطالبات بتغييرها كادت أن تصل إلى مرحلة الثورة على النظام من قبل الموالين..
 
غير أن المتابع للوقائع التي تزامنت مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات كبيرة تجاوزت الـ 650 ليرة، ثم انخفاضه خلال أيام معدودة إلى ما دون الـ 400 ليرة وما رافقها من تطورات على صعيد تغيير بعض الأسعار، لا يخاله شك أبداً، بأن هذا التلاعب بسعر الصرف كان مقصوداً وبشدة من النظام.. لأنه الوحيد الذي استطاع أن يحصد فوائد هذا التفاوت وعلى كل الأصعدة..

فمن جهة، هو استطاع أن يشغل الناس، بمن فيهم جمهور المعارضة، بأخبار أسعار الصرف، ويرتكب العديد من المجازر ويتقدم ببعض المناطق الحيوية بعيداً عن الضجيج الإعلامي المعتاد.. ومن جهة ثانية أوعز لشركتي الخليوي برفع أسعارهما بنسبة 45 بالمئة قبل يوم واحد فقط من من تدخل المركزي بالأسواق، بحجة ارتفاع سعر الصرف.. وهو ما يعني تحقيق المزيد من الإيرادات والأرباح خلال الفترات القادمة..!!

أما النقطة الأهم، فإن المتابع لمراحل تدخل المركزي في الأسواق خلال خمسة أيام فقط، سوف يلاحظ أن البداية كانت مع بيع الدولار لشركات الصرافة بسعر 620 ليرة، ثم أخذ يتراجع بالسعر وصولاً إلى 500 ليرة.. وكل ذلك تزامن مع إشاعات بمنع المركزي المصارف الأخرى من إخراج السيولة بالليرة السورية..

 أما الملاحظة الخطيرة بهذا الشأن، فهي أسعار السوق السوداء التي هبطت ولأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر، دون أسعار المركزي وبفارق كبير أحياناً.. وهو يعني أحد أمرين: إما أن المضاربين في السوق السوداء هم تابعين للمركزي ذاته، أو أن المركزي بالفعل استطاع أن يمنح الثقة للأسواق ويقنعها بأنه قادر على تثبيت سعر الصرف.. وهو أمر مشكوك فيه كثيراً، لأن الثقة لا يمكن خلقها في خمسة أيام، وإنما بحاجة على الأقل لستة أشهر، وذلك بحسب وزيرة الاقتصاد والسياحة السابقة لمياء عاصي، التي كتبت على صفحتها في "فيسبوك"، بأن هذا الزمن يعني دورة تصديرية كاملة..

لذلك، الاحتمال الأبرز، هو دخول المصرف المركزي، كمضارب في السوق النظامي والموازي والسوداء دفعة واحدة، وسوى ذلك، فلا يمكن للأسعار أن تنخفض بهذه الحدة وخلال أيام معدودة..

في النهاية، يرى مراقبون، أن المركزي لم يحتج لأكثر من 10 مليون دولار، لكي يتحكم بسعر الصرف، ولكنه بنفس الوقت حقق أرباحاً أكثر من 10 مليون دولار بشكل مباشر عبر هذه المتاجرة..

وأما على المستوى البعيد، فهناك أرباح منتظرة من خلال تحريك أسعار العديد من السلع تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف، والتي يأتي على رأسها، كما ذكرنا، أسعار الخليوي..

لكن السؤال الذي يتبادر لذهن الجميع اليوم: إذا كان الدولار هبط إلى ما دون الـ 400 ليرة، فلماذا لاتزال السلع في الأسواق مسعرة وفق دولار بـ 600 ليرة ..؟!، ألا يعني ذلك أن الثقة لم تصل للأسواق بعد وبالتالي هذا يؤكد كلامنا بأن المركزي هو المضارب وليس تجار العملة..؟

 الأيام القليلة القادمة هي من ستجيب على هذا السؤال، فيما إذا كانت الأسواق ستستجيب لهذا التغير الكبير في سعر الصرف أم لا..

ترك تعليق

التعليق