خالد المحاميد.. رجل الأعمال الغامض في وفد المعارضة السورية


في مطلع الشهر الثاني من عام 2013، وقفنا في بهو الفندق في جنيف استعداداً لمغاردته بعد مؤتمر استمر لأربعة أيام، لكن يبدو أن هناك مشكلة تمنعنا من المغادرة، وهي أنه بقي من الحساب مبلغ أكثر من 40 ألف دولار لم يتم تسديده..
 
كان هيثم مناع غير متوتر ونحن ننتظر في البهو شخصاً سوف يأتي من أجل أن يدفع هذا المبلغ، لكنه تأخر عن القدوم.. في هذه الأثناء اقترب أحد الأشخاص من هيثم وقال له: "أنا أستطيع أن ادفع المبلغ"..، لكن هيثم أشار له بحركة من يده أنه لا داعي.. غير أن الرجل عاد وقدم خدمته بصيغة أخرى بأنه سيدفع المبلغ، ومن ثم يسددون له المبلغ فيما بعد.. غير أن هيثم أصر على رفضه وبهدوء تام..
 
بعد لحظات جاء خالد المحاميد، وارتسمت على وجه هيثم ابتسامة رضا، فتوجها معاً إلى الصندوق، ودفع خالد المبلغ كما لو أنه يدفع ثمن فنجان قهوة..!!
 
لقد أثار هذا المشهد فضولي بشكل لا يوصف.. فمن هذا الرجل الذي يدفع كل هذا المبلغ ثمناً لكلام لا يقدم ولا يؤخر..؟!، من هو خالد المحاميد..؟، هكذا خاطبت صديقاً كان برفقتي ولفت انتباهي أنه على علاقة طيبة معه..
 
أحس هذا الصديق بدهشتي، لهذا أخذ نفساً عميقاً قبل أن يُجيبني، وبما يعزز دهشتي ويثير فضولي.. قال: "خالد المحاميد هو رجل في زمن عز فيه الرجال.."، بقيت منصتاً من أجل أن يضيف أكثر من كلمات المديح.. ثم أحس أن فضولي صحفي وليس شخصي، فأراد أن يتلاعب بهذا الفضول.. وتابع: "سوف أحدثك عنه فيما بعد"..، لم أدعه يستغل فضولي، فتركته دون إلحاح..
 
رجل الإغاثة الأول

لم تطل الأيام لأتعرف على جوانب كثيرة من نشاطات خالد المحاميد، كرجل أعمال من أبناء درعا، قرر الانتماء للثورة مغامراً بكل استثماراته في سوريا والتي تصل إلى أكثر من 100 مليون دولار..
 
وكان التعرف بداية على نشاطاته الإغاثية والإنسانية، فهو على الرغم من أنه كان متواجداً في جنيف مع هيثم مناع، خلال أيام المؤتمر الأربعة، إلا أنه لم يتحدث إطلاقاً، ولم يبد رأياً في أي شيء، وحتى أنه قلما كان يتواجد في قاعات المؤتمر ونشاطاته، وكان يظهر في بعض الأحيان، في فترات الاستراحة بين الجلسات، يستمع إلى هذا وذاك، ولكن دون أن يُبدي رأياً..

من خلال احتكاكي بهيثم مناع في العام 2013، اطلعت من خلاله، على أن هناك رجل أعمال، يرسل على رأس كل شهر، مبلغاً كبيراً من المال يتراوح بين 60 إلى 100 ألف يورو، يقوم هيثم بتوزيعه على أسر الشهداء غالباً، في الأردن ولبنان، ويتم تخصيص مبلغ معين منه للإغاثة الطبية..
 
ولم أتفاجأ عندما علمت أن هذا الرجل هو خالد محاميد، فقد كنت سمعت من أطراف كثيرة عن نشاطاته في هذا المجال، لكن لم أتخيل أن يصل حجم تبرعاته الشهرية إلى هذا الحد..
 
وعلى المستوى الشخصي، وإنصافاً لهذه الفكرة، فقد ساهمت في أحد الأشهر بمساعدة هيثم مناع، بفرز المبلغ ضمن ظروف مغلقة، حيث كُتب على كل منها اسم مستحقها..
 
كان هيثم مناع قليل الحديث عن خالد المحاميد وأنشطته الإغاثية، وحتى عندما كنت أسأله، يحاول تلخيص الأمر، بأن الرجل يقدم الكثير في هذا الجانب، ومن فم ساكت..
 
ولعله في تلك السنة، ومن باب التذكير، فقد تم تأسيس مجلس رجال الأعمال السوري في الإمارات، وهدفه دعم مخيمات اللجوء في لبنان والأردن، وكان خالد المحاميد من أبرز المساهمين في هذا المجلس.. وتميزت أنشطته بأنها تقدمت بمبالغ وصلت إلى أكثر من 10 مليون دولار، غير أن حجم الكارثة كان أكبر بكثير من قدرة هؤلاء الرجال الذين قرروا الوقوف إلى جانب شعبهم.. فتوقف نشاطهم الإغاثي الجماعي بعد نحو عام، وصار كل منهم يقوم بهذا العمل بمفرده..
 
رجل السياسة الغامض

كان لافتاً بروز اسم خالد المحاميد بعد العام 2015، وبالتحديد بعد مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، الذي رعته هيئة التنسيق الوطنية، وعدد من الأحزاب المعارضة، باستثناء الائتلاف الوطني.. حيث ظهر لأول مرة متحدثاً في الشأن السياسي ومعبراً عن تطلعات مؤتمر القاهرة للحل السياسي في سوريا..

ثم بعد ذلك كانت المفاجأة الأكبر بظهوره، في مؤتمر جنيف 4، الأخير، وهو يقف إلى جانب نصر الحريري في مؤتمراته الصحفية، ولكن دون أن يصرح بشيء..

هذا المشهد دفع الكثيرين للتساؤل عن الدور الذي يقوم به خالد المحاميد في وفد المعارضة السورية، والبعض لم يوفر الغمز من زاوية أن الرجل بدأ يكشف عن طموحات سياسية معينة من خلال عمله المباشر في السياسة..
 
هذا الأمر دفعنا للتقصي أكثر عن نشاط خالد المحاميد السياسي ودوافعه الحقيقية، إلا أننا لم نحصل سوى على القليل، وهي عبارة عن آراء ووجهات نظر أكثر منها معلومات..

بحسب أحد المطلعين على نشاط خالد المحاميد ووجهة نظره في الانتقال للعمل السياسي المباشر، كأول رجل أعمال يقوم بهذا الدور، أنه يبحث عن الحل السياسي للأزمة السورية، ويعنيه كثيراً الوصول إلى هذا الحل بأسرع وقت ممكن من أجل إيقاف شلال الدم في سوريا..
 
أما عن حجم تواجده في مفاوضات جنيف إلى جانب وفد المعارضة وحجم تأثيره، فقد أشار هذا المصدر إلى أن خالد محاميد، يمثل منصة القاهرة في وفد المعارضة، ويدافع عن تطلعاتها في الحل السياسي لا أكثر.. وبالتالي هو رجل من بين 50 رجلاً آخر في وفد المعارضة في جنيف..

أخيراً
 
بكل الأحوال، لا ندعي في هذا المقال أننا غطينا كل الجوانب المتعلقة بأنشطة خالد المحاميد، سواء قبل الثورة أو بعدها..
 
لكن من المفيد أن نذكر، أن خالد محاميد، هو طبيب في الأساس، تخرج من بلغاريا في العام 1988، وتابع الدراسات العليا هناك مختصاً في مجال الطب النسائي، ثم في العام 1991، انتقل للعمل التجاري، هاجراً الطب، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يحقق نجاحاً كبيراً، مستفيداً من الطفرة الاقتصادية التي حدثت في أوروبا الشرقية في أعقاب الانتقال من الحكم الشيوعي إلى الحكم الرأسمالي والاقتصاد الحر..
 
انتقل خالد المحاميد بعدها للعمل بين اليونان وقبرص حتى مطلع العام 2000، وهو العام الذي انتقل فيه إلى الإمارات العربية المتحدة، لتطوير نشاطاته الاقتصادية من هناك..
 
وبالفعل استطاع الرجل أن يحقق نجاحاً كبيراً في الإمارات، الأمر الذي لفت انتباه النظام السوري إليه، فالتقى بشار الأسد معه، خلال زيارته إلى الإمارات، ضمن وفد رجال الأعمال الذين التقاهم هناك.. وطلب منهم بشار المجيء إلى سوريا والاستثمار فيها، مع وعد بتذليل كل العقبات التي تعترضهم وبتدخل شخصي منه..
 
وكان خالد المحاميد شأنه شأن كل رجال الأعمال السوريين الذين صدقوا بشار الأسد في وعوده، فجاؤوا إلى سوريا وبدأوا الاستثمار فيها.. لكن لم يلبث النظام أن كشر عن أنيابه، بعد أن تورط هؤلاء الرجال بدفع مبالغ كبيرة في الاستثمار.. فقام النظام بوضع العراقيل أمامهم، وصلت إلى حد الحجز على أعمالهم بحجة تجاوز حدود الملكية.. وكان خالد المحاميد أحد أولئك الذين عانوا من هذا الحجز.. ولم تفلح كل محاولاته ولقائه مع بشار الأسد، في حلحلة الأمور.. لذلك لجأ إلى باب آخر، وهو بناء العلاقات مع مسؤولي النظام وإغداق الهدايا عليهم من أجل تسهيل مصالحه التجارية..
 
غير أن الأمور لم تطل كثيراً، وبدأت الثورة السورية في العام 2011 من درعا، وكان خالد المحاميد أحد الرجال الذين استعان بهم النظام للتوسط مع أهالي درعا وتهدئة الأمور.. غير أنه وبحسب ما يروي خالد المحاميد نفسه، عرف أنه بعد سيلان الدم الغزير، بين أهله، ليس من السهولة أن يلعب دور الوسيط.. بل لا بد أن يكون له موقف واضح ومحدد.. وهكذا قرر وبشكل نهائي الوقوف إلى صف الثورة السورية مهما كانت العواقب..

ترك تعليق

التعليق