اقتصاديات.. وانطلقت مشاريع إعادة الإعمار، ولكن في الأحلام


منذ أكثر من أربع سنوات، والنظام يروج ويتحدث عن مشاريع إعادة الإعمار، فهو تارة يتحدث عن إنشاء مدن حديثة على الطراز " النيويوكي"، ومن جهة ثانية يقيم معارض لمسكات الأبواب والشبابيك والبراغي وأدوات الحدادة والنجارة، ويقول أن ذلك يندرج في إطار تجهيزاته لإعادة الإعمار..

وإذا ما تقدم نجار "باطون" بترخيص لإنشاء عمارة، يتحدث عن أن عدداً من شركات التطوير العقاري تقدمت بطلب تراخيص لإقامة مشاريع سكنية..

المهم، أن النظام لا يترك شاردة أو واردة، إلا ويحشر بها مشاريع إعادة الإعمار، حتى وصلت اللوثة إلى بشار الأسد ذاته والذي لا يخلو حديث له مع وسائل الإعلام العالمية من الإشارة إلى إعادة الإعمار والمكاسب التي ستحققها الشركات والدول من هذه المشاريع .. وكأن النظام يتعامل مع موضوع الدمار في سوريا كما لو أنه "الخرقة" الحمراء التي سيلاعب بها الثيران على اختلاف أحجامها..

ومن أجل أن لا ننساق وراء ترهات النظام وتصوراته وأوهامه عن مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، نود أن نضع عدة ملاحظات على ما تورده وسائل إعلام النظام من أخبار بهذا الخصوص، والتي كان آخرها الحديث، عن وضع مخططات لإنشاء مجمعات سكنية تتسع لـ 600 ألف شخص في عدة محافظات.. لذلك نريد أن نقول تعليقاً على هذا الخبر وغيره من الأخبار التي تحمل نفس المضمون، إن مشاريع إعادة الإعمار ليست استثماراً رابحاً في بلد مثل سوريا ويحوي هذا الكم الهائل من الأزمات والتناقضات، بل إن النظام وضع حداً لهذه المشاريع عندما استعان بالقوى الخارجية لتحتل أرضه لأكثر من خمسين سنة قادمة، ما يعني أن الاستقرار للبلد لن يعود إلا بعد انقضاء هذا التاريخ، وهو العمود الفقري لأي مشاريع اقتصادية.

النقطة الثانية، هي عند مقارنة الوضع في سوريا من حيث الدمار والأزمة السياسية، بمناطق شبيهة، كلبنان أو البوسنة والهرسك مثلاً، فهذه الأخيرة منذ خمس سنوات لم تقم لها قائمة ولا يوجد بها كهرباء ولا حتى حديث عن إعادة إعمار، أما لبنان، فإن مشاريع إعادة الإعمار لم تنطلق إلا بعد أكثر من عشر سنوات من انتهاء الحرب الأهلية، مع التذكير بأن الدمار الذي حل بلبنان، لا يعادل عشرة بالمئة مما حل في سوريا، ومع ذلك، فاقت تكاليف إعادة الإعمار وتهيئة البنية التحتية أكثر من 40 مليار دولار وهي لا تزال ديون على الدولة اللبنانية..

أما في سوريا، وبعيداً عن الأزمة السياسية، فإن مؤشرات الوضع الاقتصادي بعد أكثر من ست سنوات من الدمار، تعطينا فكرة عن مقدرات البلد ومقدرات السكان الذين ستتوجه المشاريع للاستثمار بهم.. فبالنسبة للدولة تقول الأرقام أنها عاجزة عن تمويل ترميم، وليس إعادة إعمار، البنى التحتية التي تعرضت للدمار، من مستشفيات ومدارس ومؤسسات حكومية، والتي تقدرها الأرقام بأكثر من 100 مليار ليرة سوريا.. في الوقت الذي تراجع فيه الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 70 بالمئة، والعجز في الميزان التجاري أكثر من 90 بالمئة.. أما بالنسبة للتضخم، فحدث ولا حرج، وهو مؤشر حقيقي عن إمكانيات الدولة وإمكانيات الناس بنفس الوقت والتي ستكون مرعبة لأي شركة تفكر بالاستثمار في هذا القطاع..

القول الأخير، إن المشاريع العقارية، هي مشاريع رخاء وترف، تنهض في الدول التي يعيش سكانها في بحبوحة، وبالتالي هي ليست مشاريع إنسانية أو خيرية، وأي شركة تفكر في الاستثمار في هذا الجانب سوف تضع في حسبانها كل أرقام الاقتصاد السوري التي أصبحت مرعبة..

وضمن هذا السياق، هل نستطيع أن نصدق خبراً يقول بأن شركات عقارية تقدمت بطلبات ترخيص لإنشاء وحدات سكنية تتسع لأكثر من 600 ألف شخص، بينما هذه الشركات تعلم بأن نسبة الفقر في سوريا أصبحت أكثر من 80 بالمئة من السكان ونسبة التضخم أكثر من 500 بالمئة.. فمن سيشتري هذه العقارات، ولمن ستبنيها هذه الشركات..؟!

وكيف سنصدق نظام يتحدث عن إعادة الإعمار في الوقت الذي أعلن فيه عن موازنة تقدر بـ 7 مليار دولار، ونسبة العجز فيها وبحسب أرقامه الكاذبة، أكثر من 20 بالمئة.. بينما أكثر الأرقام تفاؤلاً تتحدث عن أن إعادة الإعمار تكلف أكثر تريليون دولار..؟!، من ذا الذي سيضخ كل هذا المبلغ في السوق السورية..؟!

ترك تعليق

التعليق