الأسد حينما يحاول النأي عن إيران


قالتها إسرائيل حاسمة، على لسان رئيس وزرائها، "لا سلام في سوريا طالما إيران متواجدة فيها".

يعتقد الكثير من المراقبين أن بقاء بشار الأسد في سدة الرئاسة حتى اليوم، يرجع إلى قرار إسرائيلي، وضع فيتو على أي تحرك أمريكي لإزاحة الأسد.

وبغض النظر عن مدى دقة ذلك التحليل، فإن تطورات اقتصادية وسياسية، تُوحي اليوم بأن الأسد يحاول، كالعادة، مواكبة الرياح الدولية والإقليمية الأقوى، والنأي بنفسه عما قد يثير غضبها.

فـ"أمريكا الجديدة"، بزعامة دونالد ترامب، تريد القضاء سريعاً على تنظيم "الدولة الإسلامية"، في سوريا والعراق، للتفرغ لاحقاً، للخطر الإيراني في هذين البلدين، وتحديداً، منهما سوريا، حسبما يعتقد معظم المراقبين.

ولم يُخفِ ترامب نيته مواجهة النفوذ الإيراني المتفاقم في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تكون سوريا إحدى الساحات الأولى لتلك المواجهة.

من الذي قرر ذلك أولاً؟، ترامب أم الإسرائيليون، لا نستطيع الجزم، لكن من الواضح أن السياسة الإسرائيلية –الأمريكية، حيال سوريا، بدأت تتغير في جانب من مساراتها، لتصوّب تحديداً على الوجود الإيراني هناك.

بهذا الصدد، جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو. وبنفس الصدد، صدرت عشرات التصريحات والتعليقات لمسؤولين إسرائيليين، في الأيام القليلة الماضية.

بالتزامن مع هذا الحراك الإسرائيلي الذي يستهدف إيران في سوريا، نجد بشار الأسد، حسب ما تُوحي به معطيات تنقلها مصادر متقاطعة من دمشق، يحاول النأي بنفسه عن الإيرانيين، ويعرقل تنفيذ اتفاقات وقّعها رئيس وزرائه، عماد خميس، منذ أسابيع، في طهران.

تلك الاتفاقيات التي تمنح الإيرانيين نفوذاً هائلاً في قطاعات اقتصادية حيوية في سوريا، ناهيك عما قِيل، عن وعود بمنح الإيرانيين قطاعات واسعة من مساحات الأرض، في دمشق وريفها، أو في الساحل، لإقامة قواعد عسكرية ومدنية، إيرانية.. لم تجد تلك الاتفاقيات وتلك الوعود التي أُشيعت، طريقها للتنفيذ حتى الآن.

الرد الإيراني على تلكؤ الأسد تجلى في قطاع المشتقات النفطية التي أوقفت إيران تزويد النظام السوري بها. الأمر الذي خلق أزمة كبرى لمؤسسات الدولة السورية الخاضعة للنظام. لكن الأسد ما يزال يبحث عن سبل لحل هذه الإشكالية بعيداً عن الإيرانيين.

قِيل أخيراً، حسب وسائل إعلام عربية، إن الأسد يمم وجهه صوب الجزائر، وطلب مساعدتها بتأمين المشتقات النفطية التي تحتاجها المؤسسات الخاضعة له. لم يتضح بعد الرد الجزائري. لكن ما اتضح حتى الآن، أن الأسد يحاول النأي بنفسه عن الإيرانيين، فهو يريد محاباة وجهة الرياح الإقليمية والدولية الأقوى، الصادرة عن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، كي لا تقتلعه.

الأسد يحالف الأقوى، ويبحث عن كل السبل التي تحفظ له كرسي حكمه، أياً كانت الأثمان. لكن المشهد اليوم يختلف كثيراً عن التجارب التاريخية السابقة، فالتغلغل الإيراني في العمق السوري، غير مسبوق. وإيران تعلم، دون شك، ما الذي يدور في ذهن الأسد، فكيف ستتعامل معه؟.. الأيام والأسابيع القادمة قد تحمل الإجابة.

ترك تعليق

التعليق